هل سنتخلص من العشوائيات في حياتنا وثقافتنا ؟

ثقافة 2019/12/06
...

استطلاع/ صلاح حسن السيلاوي 
إنّها الحياة العراقية، التي تخفق في سمائها أجنحة التغيير، تلك الأجنحة التي تسعى الى الارتفاع عن مشهد العشوائيات المتعددة التي تزدحم في البلاد، مشهدٌ يضرّ بمعنى وجودنا، ويكسر في ذواتنا بنفسجها، ويعصر اخضرارها بقلق الأزمات. إنّه واقع يغلق الأبواب بين الساعين للقمة الحلال، وبين الخبز المبلل بعرق الحزن، واقع ينتشر في جميع المدن، من بناء عشوائي على مستوى العمران السكني والثقافي والإنساني بشكل عام، بطريقة بعيدة عن أدنى مستويات التخطيط، وبسكوت تام من قبل مؤسسات الدولة. 
أما ما يحدث من خراب سياسي، فيكاد يكون صارخ الحضور، فيما يبقى العمل الثقافي في الظل، بعيدا عن التأثير في 
المجتمع. إنّها مشكلات تعصف بجوهر الحياة، تأكل بريحها كل ما يهتز من اغصان اشجارنا التي ما عادت قوية بفعل هزات الحروب والعنف بمختلف أشكاله.نحن هنا على مفترق الأسئلة والحلول، المفترق الذي قد يأخذ الى الهاوية او العافية، فما هي السبل الكفيلة بتحقيق الاحلام، كيف يمكننا أن نحيط حيواتنا بنظام دقيق، يبعد مجتمعنا عن كل العشوائيات التي أتخمت حياته، عن كل ذلك سنبحث مع نخبة متميزة من مثقفينا، عبر هذا 
الاستطلاع.   
 
عشوائيات الحياة الثقافيّة 
الدكتور عماد العبيدي تحدث عن غياب الحس السياسي والنخبوي، لما يتأثر به الواقع العراقي، من تنامي لفوضى على صعد متعددة، لا سيما العشوائيات في الاراضي الزراعية على سبيل المثال لا الحصر، ما ينذر بكارثة على مستوى غياب التخطيط العمراني، الذي من شأنه أن يضيف ترديا اجتماعيا، وذلك لأن نوع السكن يؤثر في جميع الفعاليات الاجتماعية، كما هو معلوم، ولفت العبيدي، إلى ان التردي لا يتوقف عند ذلك، فالعشوائيات في الحياة الثقافية مستمرة، من خلال غياب الدعم للمؤسسات الإبداعية، مثل دور النشر والترجمة وما شابه، فضلا عن مؤسسات السينما والمسرح والدراما ما يؤدي الى تخلخل الذوق العام فيما لو استمرت هذه العشوائية. وبيّنَ العبيدي أن المرحلة الحالية يمكن ان تسهم بصناعة تغيير حقيقي على مستوى الفرد والمجتمع ويمكن للمؤسسات الثقافية ان تقوم بدورها في خدمة الذائقة العراقية بكل 
تشكلاتها.
 بين سطور المفاهيم 
الشاعر محمد حسين الفرطوسي يرى أنّ المرحة الحالية بما يمكن ان تحدثه من تغيير سوف تخلص المجتمع من استشراء العشوائيات في حياتنا فيما لو استجاب الساسة للوعي المتصاعد بين صفوف المتظاهرين السلميين، لافتا الى ان ثمة عشوائيات كثيرة تتمدد بين سطور المفاهيم المتعددة،  تلك المفاهيم التي أدت الى تردي واضح في صناعة وزراعة واقتصاد البلاد، فضلا عن الخراب المتكرر في جوانب الإبداع وتطوير الذائقة ودعمها، ولهذا نرى ترديا في الحياة الجامعية وقصورا كبيرا في دعم الدولة للثقافة بشعرها وسردها ومسرحها وسينماها وفنها التشكيلي ومجالات البحث والنقد الابداعي ومجالات العمل المعني بتطوير البحث الثقافي.مشيرا إلى أن جميع تلك العشوائيات، هي انعكاس طبيعي لمرآة السياسة، التي لا يمكنها ان تعطي سوى صورتها المشوّهة.وأكد بأنّ على المثقف، أن ينهض ولو بالإشارة المستمرة من خلال الإعلام والمنابر المعرفية والإبداعية، فضلا عن البحوث والدراسات التي من شأنها ان تفضح تلك العشوائيات، في جميع المجالات وتقدم للجهات المعنية بعضا من الحلول.  
 
الارتجال في العمل المؤسساتي 
الشاعر قاسم الشمري أشار إلى أن العراق بوصفه دولة مدنية، يحتاج الى كثير من العمل، وأن السلطات بكل مسمياتها، لا تؤدي دورها بشكل فاعل، مبيّنا أن ذلك واضح جداً، ومنعكس على الحياة اليومية فالفساد مستشرٍ بصورة قاتلة، واللامبالاة كادت أن تقتل الحس الوطني عند المواطن؛ ولهذا فإنّ الشعب انتفض للتغيير ولإيجاد حلول مهمة تخلصه من كل تردٍّ وخراب وعشوائيّة.
وأضاف الشمري بقوله: أنا بوصفي مواطنا بسيطا ككل العراقيين، أتساءل دائماً؟ ما هو الحل فالحكومات المتعاقبة على عراق ما بعد التغيير، دائمة اللوم لنفسها على الوضع المتردي، وهي بذلك تعتقد أنّها بهذا العمل تزيح المسؤولية عن كاهلها. إنّ غياب الرؤية، والتخطيط المسبق والارتجال في العمل يخنق العمل المؤسساتي، فبلد مثل العراق أصبح يستورد حتى الماء، أقل شيء يمكن أن يقال عنه، انه يمضي الى الهاوية اقتصاديا، ناهيك عن المبادرات الفاشلة، التي أطلقتها الحكومات، ولهذا فإنّ الامل بالتغيير هو أمل بالتخلص من الفساد والخراب والاتجاه نحو تنظيم الحياة العراقية واحتكامها الى القوانين. 
 
تهميش أثر المثقفين 
الشاعر علاء الحامد يشير برأيه إلى حاجة البلاد إلى إنشاء خطة مهمة  للتخلص من عشوائيات الحياة العراقية، خطة تعتمد على المؤسسات الاقتصادية والثقافية. لافتا إلى  حاجة الدولة لإيجاد المشرفين المختصين من الطاقات العراقية المدفونة.وكذلك أشار الحامد إلى حال المؤسسات الثقافية، لا سيما وزارة الثقافة التي تحتاج الى ميزانية مالية مهمة تمكنها من العمل على دعم الفعاليات الإبداعية في البلاد، فضلا عن حاجتها لخطط وافكار تتوافق مع المرحلة الجديدة التي يريد العراق الاتجاه نحوها بالعمل المعرفي، مبيّنا أن التهميش ما زال قائما في حياة المثقفين وأنه ناتج عن عدم اعطاء الدور للمثقف كي يمارس مسؤوليته على اقل تقدير، وأن التراجع مازال مستمرا وذلك بسبب صراع الاحزاب والكتل الطائفية على 
السلطة.