يوتوبيا عراقيَّة

ثقافة 2019/12/07
...

  حميد المختار 
في مطلع الثمانينيات كتبت قصة قصيرة أسميتها (يوتوبيا في الظلام) وكانت رسالتها انَّ ليس هناك فوارق طبقيَّة أو سياسيَّة أو دينيَّة بين أبناء الزقاق الواحد، وفي النتيجة إنَّ البطل (عودة السكران) الذي كان يرقص في حفل عائلات الزقاق يختم ليلته بالنوم في حرم المسجد بعد خروج المصلين من الحرم، أسوق هذا المثال وأتحدث عن يوتوبيا عراقيَّة جديدة تقترب من قصتي القديمة، إنها يوتوبيا الحراك الشعبي العراقي الذي أثبت للقاصي والداني أنَّ هناك في العراق وفي منطقة وسط بغداد اسمها ساحة التحرير قرب نصب الحرية حركة أو ثورة أو نهضة، سمها ما شئت، جاءت هذه النهضة التي قادها شباب بعمر الورود يصرخون بملء أفواههم لا للطائفية ولا للمحاصصة ولا للتدخلات الخارجيَّة والوصاية السياسيَّة ولغة الطوائف، تكونت هذه اليوتوبيا العراقية من لغة وطنية مشتركة تحمل الهوية الواحدة، نحن عراقيون، وهم يؤمنون بالمواطنة التي تجمع الجميع تحت خيمتها بلا نفس طائفي أو هيمنة حزبيَّة، ثمة شجاعة أسطوريَّة يصفها المفكرون والمحللون السياسيون وهم يتحدثون عن هذا الحراك العراقي والنهضة الإصلاحية الكبرى التي تقترب كثيراً من النهضة الحسينية كما قلت في مقال سابق، إنَّ هؤلاء الشباب ليس لديهم ما يخسرونه، حين فتحوا أعينهم اكتشفوا أنفسهم محاطين بشعارات طائفيَّة تلقمهم ليل نهار بدل الخدمات الأساسيَّة، وهم يراقبون الانتخابات التي ينتج عنها ائتلافات وينتج عن هذه الائتلافات تقاسم وظيفي طائفي قاد البلد الى تخلّف وإفلاس على الصعد كافة، لذلك بدأ هذا الحراك يؤلف يوتوبياه الخاصة بثورة ثقافية تريد الخروج بالبلد من بوتقة الطائفيَّة، لأنها تمتلك وعياً عميقاً وحقيقياً سينتج في القريب العاجل حركات حرة خارجة من رحم الأزمات الوطنيَّة، حركة بهويَّة وطنيَّة تمتلك تنظيمات أو مؤسسات لتخوض اللعبة الانتخابيَّة طارحة البديل الوطني غير الطائفي وتقدم قوى سياسيَّة غير طائفيَّة، فضلاً عن رفض التدخل الخارجي سواء كان الإقليمي أو العالمي، واليوم حين تدخل ساحة التحرير وحديقة الأمة والبتاوين وساحة الطيران وشارع الرشيد ونفق الباب الشرقي ستصاب بالدهشة والغرابة، لقد عادت روح الحياة لهذه المناطق بعد أنْ كان معظمها مرعباً ومهجوراً ومليئاً بالنفايات والأوساخ، صار الحراك داينمو حضارة وتقدم ووطنية ناضحة وناضجة تؤمن بالعراق كبلد خارج الطائفة والمحاصصات والتدخلات الخارجيَّة، لقد عاد العراق ثانية الى صورته الحضارية الناصعة بفضل يوتوبيا حراك الجماهير الشبابية الواعية التي ستصنع تاريخاً جديداً للبلاد..