حسب الله يحيى
لماذا يدرس طلبتنا اللغات الاجنبية لسنوات عديدة، ولماذا يبذل المترجمون جهودهم لترجمة الكتب، ولماذا نبحث عن الكتاب المترجم؟.
ثم.. لماذا أنشأت وزارة الثقافة، مديرية للترجمة سمّتها (دار المأمون للترجمة والنشر) منذ سنوات طويلة، امتدّت من النظام السابق واللاحق؟.
ولماذا ظهرت عندنا مجلة متخصصة بالترجمة اسمها (الثقافة الاجنبية) تعنى بلغات الشعوب، ونحن شعب لا بدّ ان تكون له علاقات وطيدة مع المجتمعات البشرية كافة، ذلك ان التفاعل بين الشعوب والامم تفاعل يتطلبه الانسان في كل العصور حتى (يتحول العالم الى قرية كونيّة) كما يقول مارشال ماكلوهان..
الانسان ـ وأعني الفرد والجماعة ـ به حاجة دائمة الى معرفة الاخر، معرفة فكر وعلم ومعرفة وفنون.. وإلا كنا أفراداً وشعوباً متخلفة منزوية بعيدة عن العالم المتحضّر، والذي بات يسبقنا بأشواط من دون أن نحرّك ساكناً لتجاوز هذه المسافات الشاسعة بين عالمنا المتخلّف في جميع الميادين، وبلدان في حالة تطور ونماء، بشكل يتجاوز حجم تصوراتنا التي باتت محصورة في معالجة الازمات الحادة التي تعصف بنا كل يوم.. من دون ان نتأمّل حجم اجهزة التواصل الاجتماعي التي اصبحت في حالة سباق مستمر، فيما نحن نعيش في محور التلقي السلبي من دون ان نحرك ساكناً او نفكر ـ أو حتى نتأمّل. كيف صنع العقل البشري هذا الجهاز أو ذاك؟.
خطابنا المتعلق بالترجمة، خطاب مشلول وكسول ومتخلف.. طلبتنا وعدد من مترجمينا باتوا يتكئون على الترجمة الآليّة، من دون ان يشغلوا انفسهم بالترجمة الحيّة والاسلوب الراقي في ايصال المعلومة. و(دار المأمون) لا يشغلها كتاب كوني شغل العالم، او منجز نال الجوائز، ولا مجلة او فيلم او مشروع او اكتشاف علمي معني بالوضع البشري في هذا الميدان او ذاك.. ومجلة (الثقافة الاجنبية) غير معنية سوى بالفنون والاداب ولا علاقة لها بالفكر ومتغيراته وآفاقه الجديدة!
وجريدة (المترجم) لا تترجم إلا نشاطات ثقافية متواضعة تصدع رؤوسنا بها، ومن ثم تريد من العالم الخارجي الانشغال بها فيما تتكاسل عن تقديم زاد معرفي جديد يسهم في اغناء عقولنا ويطور ذائقتنا الجمالية..
نعم.. القصة والقصيدة والمقال الادبي، ضرورة في تحقيق متعة حسية وذهنية راقية، ولكنّه رقي محدود التأثير، ومحدود الحاجة، ومحدود الأفق..
والاداب والفنون لا بدّ من وجودها ـ تأليفاً وترجمة ـ ولكن لا نعتقد بأن تعلم اللغات يراد منه هذين الحقلين فقط وترجمة ما تيسر منهما لتنشغل به (دار المأمون) ومجلة (الثقافة الاجنبية) وجريدة (المترجم) ولا حتى المجلات والصحف والمنابر الأخرى..
فهناك آفاق علمية ومعرفية باهرة تتجدد يومياً، من دون ان يكون لنا نصيب في معرفة حتى جزء ضئيل عنها..
واذا كنا نعيش هذا الجهل في التواصل مع العالم المتحضر بوصفنا المحدود في التلقي والاستهلاك؛ فإنّ هذا الامر سيجعل منا افراداً وجماعات في عزلة وتخلف ومن ثمّ في عجز تام عن مواكبة التطور السريع الذي تمر به كل الشعوب الطموحة التي تبني نفسها وتعمل على تطوير ذاتها والتوجه نحو المستقبل المنشود الذي نطمح إليه أسوة بكل انسان يسمو الى الطموح والتمدّن والرقي حتى يتواصل مع الاخر.. ويسهم في التطور الانساني الشامل.