التاريخ النسوي المنسي للحكاية الخياليَّة الفرنسيَّة

ثقافة 2019/12/10
...

كاثرين إدورد
ترجمة: شيماء ميران
 
 
 
 
يزور ملايين السائحين دزني لاند في باريس سنويا، ويأخذون رحلة الحكايات الخيالية. لكن القليل منهم يعلم أنّ بعض الحكايات الملهمة لأفلام والت ديزني نشرتها مجموعة من كاتبات القرن السابع عشر في فرنسا. واستخدمنَّ القصص كطريقة للتذمر المهذب من ازواجهم، وتوجيه الانتقاد للملك لويس الرابع عشر.
الراوية والبارونة دولنيوي، واحدة من اللواتي اسهمنَ بنشر الحكايات التي نشأ الكثير على سماعها، قامت بصياغة مصطلح “حكاية خيالية” وهو ترجمة “ conte des fees”. سيرتها الذاتية تحتوي عوامل خيالية: عمرها 15 عاما فقط، أُختطفت من الدير حيث تلقت تعليمها، وأُجبرت على الزواج من بارون ثري يكبرها بثلاثين عاما، عُرف بلعب القمار وشرب الخمر، كان زواجها مربحا لوالدها الذي قد يكون له يد في اختطافها، هربت نحو اوروبا بعد إعدام زوجها لاتهامه بالخيانة العظمى، ثمّ عادت الى باريس في نهاية المطاف. 
عقدت أول وأشهر الصالونات الأدبية، كما كانت تسمى آنذاك، إذ اجتمعت مجموعة مختارة من الصديقات لمناقشة مواضيع تهمهنَّ كالحب والزواج والسياسة، ورغم حساسية هذه المواضيع كان من المناسب اخفاء اي انتقاد ضمن عالم الروايات الخيالي.
كانت النساء آنذاك مستبعدات من التعليم النظامي، لذلك خلقت الاجتماعات الفرصة لتقوية مهاراتهنَّ في المحاورة ورواية القصص، كتبنَّ في مختلف الانواع الادبية من قصائد ومسرحيات، وقدمنَ نوعا من رواية القصص وهو الحكاية الخيالية.
رفعت الصالونات salonnières من مستوى هذا النوع الادبي من قصة ما قبل النوم الى عمل ادبي فعلي، عِبر الاستعارة من الحكايات الشعبية المروية عبر اجيال وقرون، وكانت المسؤولة عن طبع الحكايات المنقولة شفهيا لاول مرة في فرنسا.
اصبح صالون دولنيوي الذي بدأ عام 1695، مكانا للمعنيين بالمشهد الادبي الفرنسي، وكانت تلقب Clio بعد تأمل اليونانيين لمهاراتها بقصّ الرواية. وعندما نشرت اول حكاية خيالية فرنسية معروفة، جزيرة السعادة، ضمن الرواية صاغت اسما لهذا النوع الادبي ايضا.
اختلفت الحكايات التي نعرفها اليوم عن تلك التي نُسجت داخل الصالونات، والتي تناقلتها ثقافات متعددة: الاميرة النائمة، ساندريلا، قطط ترتدي الاحذية واللحية الزرقاء.
لا يمكن التعرّف على تلك الحكايات من خلال نسخ ديزني، لان الكاتبة دولنيوي ومعاصراتها لم يكتبنَ عن الاميرات الضعيفات البسيطات التي تجب حمايتهنَّ من الخطر، بل كتبنَ عن النساء الذكيات اللواتي حاربنَ الظلم، ونساء قويات يحكمنَ الممالك ويمتلكنَ القوة للتغيير.
كان هذا يختلف كثيرا عن حياتهنَّ الحقيقية، فالكاتبة البارزة مدام دي مراد نُفيت لاتهامها بالشذوذ الجنسي، بينما مدام دي فيلنوف اضطرت الى طلب فصل الممتلكات عن زوجها بعد ستة اشهر من انفصالهما لتبديده الكثير من ثروتهم المشتركة.
 
بين الحقيقة والخيال
أما الكاتبة الآنسة دي لا فورس فقد كتبت مجموعة قصص من الدير حيث نُفيت عقابا لسلوكها الإلحادي، وكتبت في حكاية Fairer-than-a-Fairy عن اميرة اختطفتها الجنيات وحكمنَ عليها بكنس الغرفة المعلونة.
كانت الحكايات تصور الزواج على انه مكيدة مشؤومة يدبرها آباء البنات، او نتيجة للعنة جنية شريرة، وتصور استخدام الاميرات دهائهنَّ للتخلص من هكذا تدبير.
كان الحب المحرّم موضوعا شائعا آخر، فوقوع الاميرات بحب فتيان مزارعين بسطاء او حبهنَّ لحيوانات، يعكس شعور نساء الطبقة الراقية بالضغط من اجل تزويجهنَّ بشخص من الطبقة نفسها. وغالبا ما تكون لهذه الحكايات حلول سعيدة، كأن يكون راعي غنم او حيوانا تُكشف حقيقته لاحقا كأمير وقع ضحية لعنة تُحول مظهره الخارجي.
احتوت النسخة الاصلية من حكاية الحسناء والوحش للكاتبة مدام دي فيلنوف على هاتين الفكرتين: ففي حكاياتها، الجمال هو لعنة الزواج بوحش كعقوبة لوالدتها الجنيّة، لوقوعها في حب انسان. لكن كما خمنتم، تبيّن ان الوحش امير تحول الى حيوان قبيح غبي كجزء من لعنة أخرى.
تحول الملوك والملكات الى الفقر كان موضوعا شائعا ايضا، فمثلا في حكاية القط الابيض لدولنيوي، ضمت انتقادا دقيقا مبطنا لسياسة لويس الرابع عشر الاقتصادية.
رغم ان قصص دولنيوي واقرانها بقيت مشهورة عبر القرن الثامن عشر، الا ان الناس تركت قراءتها في القرن التاسع عشر، وغالبا ما تعد تلك النسخ للحكايات الكلاسيكية صادمة جدا.
الكاتب شارل برولت الذي حضر الصالونات وبدأ الكتابة بعد دولنيوي ببضعة سنوات، ذكره التاريخ على انه “أبو الحكايات الخيالية الفرنسية”.
نُشرت مجموعته من القصص الخيالية الادبية بعنوان حكايات الأم غوس Tales of Mother Goose – بمثابة عرفان لاجيال من الامهات والمربيات اللواتي قصصنَ حكايات كهذه، وليس إشارة الى رائدات الصالونات اللواتي مهدنَ له طريق عمله.
صُححت النسخ المكتوبة في حكايات برولت من قبل أسر الطبقة الراقية، وتبعها ملخص اخلاقي يستخلص منه الاطفال الدرس. وغالبا ما ابرزت توافقها مع الاخلاق الكاثوليكية المحافظة، ومعارضة نشاط وذكاء ابطال الحكايات اعلاه، المخاطر غير المروية التي تنتظر النساء الشابات
 خصوصا.
نسخته لحكاية ذات الرداء الاحمر مثلا انتهت بتحذير الاطفال “خصوصا الفتيات الحسناوات المهذبات الاصيلات” بعدم التحدث مع الغرباء.
يبدو أن هناك رسالة مفادها ان دولنيوي واقرانها وابطالهم الخياليين كانوا مرفوضين بشدة.