منذ تأسيس الدولة العراقية في العام 1921 وحتى هذه اللحظة لم يفكر أي زعيم سياسي بتأسيس صندوق سيادة وطني تستثمر فيه أموال النفط المتدفق من آبار النفط العراقية الغنية والعملاقة في أسهم وعقارات وأصول مالية من الممكن أنْ تدر أرباحاً تجعل من هذا الصندوق يحقق فوائض وأرباحاً ماليَّة تكون بمثابة محفظة نقديَّة للأجيال المقبلة.
بل على العكس من ذلك فإنَّ تلك الأموال واحتياطاتها النقديَّة قد تبددت على الحروب والمغامرات العدوانيَّة الخارجية غير المبررة بسبب عقلية نظام البعث الفاشية التي حرمت العراق من فرصة ذهبيَّة خلال نهايات العقد السبعيني من القرن الماضي للتحول الى دولة من العالم الثاني, بعد أنْ كان العراق يملك احتياطياً نقدياً بلغ 40 مليار دولار تبدد لاحقاً خلال عامين من نشوب الحرب العراقية
الإيرانيَّة.
ولم تفكر الحكومات المتعاقبة بعد العام 2003 في الشروع بتأسيس مثل هذا الصندوق كغيرها من حكومات الدول النفطيَّة, بل إنَّ العائدات النفطيَّة المرتفعة التي حصل عليها العراق نتيجة ارتفاع أسعاره الى أكثر من 100 دولار لم يتم الاحتفاظ بها وتم إهدارها بشكل غريب عندما تم إنفاقها بشكل جنوني ناتج عن عمليات فساد ضخمة أدت الى ضياعها وعدم توظيفها بشكل صحيح يخدم العراق في أوقات
الأزمات.
عائدات النفط وتقلبات الأسعار في الأسواق العالميَّة تفرض ضرورة استثمار هذه العائدات من أجل زيادتها وتأمين ثروة سياديَّة للبلاد, إذ سبق وأنْ تعرض العراق الى الإفلاس في العام 2014 عندما هبطت أسعاره الى أدنى مستوى.
وهذا الصندوق السيادي بالإمكان تأسيسه وإناطة مهام إدارته الى شركات عالميَّة متخصصة في مجال الاستثمار وكما فعل القطريون والسعوديون الذين نجحوا في إنشاء صناديق سياديَّة عززت من مداخيل الاستثمار لديهم الى قرابة الـ500 مليار دولار تقريباً لكل
منهما.
الإبقاء على العقليَّة النمطيَّة في إنفاق موارد النفط على الإنفاق الحكومي باستثناء الرواتب والإعانات من خلال الموازنة الاستثماريَّة التي تحولت الى مصدر للتبديد وهدر المال العام تديرها شبكات ومافيات فساد قضمت أموالاً طائلة من تلك المشاريع الفاشلة والوهميَّة لا يترك للعراق أية فرصة لتنمية الموارد المالية وإنشاء صندوق نقد احتياطي يجعل شعب العراق يتمتع بثروته النفطيَّة التي كانت ولا تزال عبئاً عليه، فالعراقيون ظلوا طيلة العقود الماضية يعانون من الفقر وشظف العيش وينظرون بحسرة الى الرفاهية التي يعيش بها أقرانهم في دول
الخليج.
إنشاء هذا الصندوق ليس صعباً وبالإمكان تأمين رأس المال اللازم له من استقطاعات ماليَّة تؤخذ بنسبة تصل الى 1 % سنوياً من مبيعات النفط نفسها, فضلاً عن إمكانية استرداد الأموال المنهوبة من قبل الفاسدين والتي تصل الى نحو 30 مليار دولار والتي أكدت أجهزة مكافحة الفساد إمكانية استعادتها.
إذ يمكن أنْ تؤسس لبداية ممكنة وناجحة لشراء أصول وأسهم في عدة أماكن في العالم وخصوصاً أوروبا والولايات المتحدة من الممكن أنْ تتضاعف أرباحها خلال فترات زمنية قليلة إذا ما تمت إدارتها من قبل مؤسسات محترفة في هذا المجال مع تشكيل مجلس إدارة للصندوق يتسم أعضاؤه بالكفاءة
والنزاهة.
كما أنَّ هناك أرصدة سريَّة من أموال النظام المباد الدكتاتوري كانت تستقطع من مبيعات النفط تصل قيمتها الى
5 % من مبيعات النفط ما زال الغموض يحيط بها وبمصيرها يمكن توظيفها في تأسيس هذا الصندوق السيادي بعد الحصول عليها.
لقد قامت النرويج وهي دولة تعتمد اعتماداً كلياً على النفط والغاز في اقتصادها في العام 1996 بإنشاء صندوق سيادي كان رأسماله في ذلك الوقت ملياري دولار فقط, إذ أصبح هذا الصندوق في العام 2019 من أكبر الصناديق السياديَّة في العام برأسمال بلغ 1000 مليار دولار وبهامش دخل ريعي صافٍ يصل الى 200 ألف دولار لكل مواطن وأموال هذا الصندوق لا يتم إنفاقها أو سحبها.
بل هي احتياطي نقدي يدعم الاقتصاد النرويجي ويسنده أوقات الأزمات وينفق جزءٌ منها كإعانات مالية تقدم للمواطنين كجزءٍ من نصيبهم في تلك الثروة ويضخ الصندوق استثمارات في أكثر من تسعة آلاف شركة في أنحاء العالم تغطي أكثر من 75 دولة وهي قيمة تعادل نحو 1.5 % من الأسهم المدرجة في كبرى الأسواق
العالميَّة.
الحاجة الى هذا الصندوق أمرٌ ملحٌ وضروريٌّ من أجل تطوير الاقتصاد والتفكير بإيجاد طرق أخرى مضمونة لمضاعفة الثروة الوطنيَّة السياديَّة بدلاً من إضاعتها في مزادات العملة وجيوب الفاسدين واللصوص.
وهي بالتأكيد ستؤمن حاجات البلاد من السيولة المالية, فضلاً عن إنعاش الاقتصاد المحلي من خلال ما توفره العائدات الربحيَّة لفرص افتتاح مصانع وورش صناعيَّة وخدميَّة يمكن أن تستوعب نسبة كبيرة من الأيدي العاملة في البلاد وخفض معدلات البطالة وتحقيق الرفاهية
للمواطنين.