استعادة الذات

ثقافة 2019/12/15
...

ياسين النصير

من المظاهر التي برزت في الحراك الجماهيري الذي احتضنته الساحات على مدى جغرافية العراق المادية، وجغرافية الشعب الروحية، هو العودة للبحث عن الذات الصوت الذي كان غائبًا طوال عقود، حتى ليكاد الصوت الذاتي للعراقي ان يصبح مجرد أنين مشترك بين كل الفئات
، فلا تميز ذاتية العربي عن الكردي والتركماني، ولا تميز انين الجنوب عن أنين الشمال، فالأمر غدا مجرد وهم غطى سماء العراق وأرضه من أننا بالقضاء على العهد الدكتاتوري بدأنا نحقق شيئًا من ذاتنا الغائبة، وكانت النتيجة مجرد وهم، عندما لا تجد من يشير إلى هويتك غير هوية الأحوال المدنية، وحتى هذه الهوية  اضمحل دورها، وقل حضورها، عليك كي تثبت أنك عراقي أن تقدم أربعة أو خمسة مستمسكات جديدة وغير مزورة كي تثبت أمام أي بواب في اية دائرة عليها علم العراق موسوم بالله وأكبر، بانك 
عراقي.ما الهوية؟ في كل تفاصيل الحياة في بلدان العالم، لا تعني الوثائق هوية المواطن، بل هي أدوات للتعريف انه صاحب المعاملة، وأنه  هو وليس غيره من يراجع على معاملته، أما ان تكون الهوية هي المواطنة
، تقتل وتحيا وفق مواصفاتها، ولها تبعات التوظيف والمفاضلة والاعتبار فلا توجد إلا في بلدان مشوهة الأنظمة، بلدان قائمة على المحاصصة والطائفية والقومية. هنا، ومن قبيل اثبات أننا عراقيون، علينا أن لا نغيّر من سحناتنا ولا من ملابسنا، فالهوية التي تعين الذات تتطلب أحيانًا لهجة كلامية معينة ليستدل المسؤول بها عليك، أو تلبس لباسًا معينًا حتى يقال لك أنك من المنطقة الكردية أو الغربية أو الجنوبية، وعليك ان تراجع مسؤولا مهمته التعامل الخاص مع اصحاب الهويات 
الأخرى.ما الهوية إذا؟ في السياق الفلسفي كل إنسان هو هوية لكل إنسان، تمييزا له عن بقية الكائنات، فهوية الإنسان تعني نوعه وصنفه البايولوجي والإنساني، وانه كائن حي يمتلك كامل الحقوق في دولة ولد آباؤه فيها، وتعلّم ودرس وتخرج في مدارسها، فالهوية ليست اوراقا يمكن تزويرها والإدعاء بانها اصلية، ومن ثمّ يصبح الاخر عراقيا، ويمنح ما لم يمنح للعراقي كما هو حاصل في بعض مفاصل المؤسسات.على المستوى الاجتماعي، لا تعني الهويات الشخصية تميزًا طبقيًا او اجتماعيًا أو فئويًا، فهي ليست إلّا وسائل يمكن الاسترشاد بها لاغراض التعريف، لكنها، في العراق تحولت إلى جينات يمكن أن ترشد البعض إلى ان من يحمل الهوية الفلانية هو من النوع البشري العالي الكعب، وأنه الشخص الذي لا يسأل، والكائن الذي يمكنه أن يكون في اي موقع من مواقع الدولة بوصفه قائدًا وموجهًا 
وزعيمًا.
كيف نستعيد هويتنا العراقية؟ ربما لن يكون الجواب واحدًا، او مقنعًا، ولكن لا بديل له وهو تتم استعادة الهوية للعراقيين، عندما يعبرون عن إرادتهم في التغيير، وعندما يكونون هم لا غيرهم من يختار من يمثلهم، وعندما لا يكون الإنسان العراقي متساويا مع غيره، وعندما لا يعتقد أن التغيير يأتيه برغبة من السلطان، فعندما يحقق الإنسان العراقي جزءا من إرادته كإنسان، بدأت اولى الخطوات لتحقيق الهوية.
بامكننا ان نغرق القارئ بالكثير من الشواهد العالمية عن شعوب سعت بدمائها وسواعدها لتحقيق ذاتها وهويتها، ولكن آثرنا أن نقتصر الحديث على ما نعيشه اليوم، ومن أن ساحة التحرير هي الطريق الأكثر صوابًا لتحقيق الذات العراقية، وعندما يكون الشاهد من بيننا يكون المثال أبلغ تأثيرًا من اي اقتباس من شواهد 
العالم.