الخروج من الآيديولوجية الإسلاموية والدخول في عصر الحداثة والتاريخ الليبرالي

ثقافة 2019/12/16
...

 
صدرت  النسخة العربية من كتاب ( حين يستيقظ الاسلام) لـ محمد اركون عن دار الساقي في بيروت. الكتاب الجديد صدر بعد وفاته  بفضل تعاون زوجته السيدة ثريا اليعقوبي مع الناشر الفرنسي جان موتابا من دار ألبان ميشال الباريسية الشهيرة. يناقش الكتاب موضوع تأصيل الخطابات وقضايا التاريخ الإسلامي المتصل بالتراث والمطلق متسلحا بما أنجزته فلسفة العلوم الحديثة. وهو يركز على النقد العميق والمعرفي لمفهوم التأصيل بحد ذاته، وبالطريقة التي مارسه بها العقل الديني، وكما حلله العقل الحديث.
الكتاب مؤلف من خمسة فصول وملحق. الفصل الأول يتخذ عنوان ضرورة إعادة التفكير في الإسلام اليوم. اي ( ينبغي على الفلاسفة والعلماء أن يدرسوا الإسلام دراسة فلسفية تاريخية لكي يفهم على حقيقته. وهذا ما فعله فلاسفة أوروبا مع المسيحية. وقد آن الأوان لكي يمر الإسلام بالمرحلة التنويرية). في هذا الفصل نتبين مشروع اركون في إنعاش الدراسات العربية والإسلامية. كما يوضح  لنا كيف يمكن أن ندرس الإسلام بطريقة تاريخية وأنتربولوجية وفلسفية عميقة. 
أما الفصل الثاني عندما يستيقظ الإسلام. يناقش أركون مطولا أطروحة تلميذه محمد الحداد عن الإمام محمد عبده وحركة الإصلاح الإسلامي في القرن التاسع عشر. ويشيد أركون بتدشين الدكتور الحداد لأول شهادة للدراسات العليا في الجامعة التونسية عن تاريخ الأديان المقارنة والأنتربولوجيا الدينية أيضا. ويعتبر ذلك فتحا معرفيا شديد الجرأة قياسا إلى الظروف الهيجانية المتعصبة التي نعيشها.
أما الفصل الثالث من الكتاب فيحمل العنوان التالي: مدخل إلى العقل المنبثق الصاعد. او  ( عقل ما بعد الحداثة) وفيه يتحدث أركون أيضا عن الديانات التوحيدية انطلاقا من مثال الإسلام. أما الفصل الرابع فمكرس للتحدث عن ضرورة تجاوز الخلافات التاريخية بين الطوائف الاسلامية .وعنوانه الثانوي ( من أجل التوحيد التاريخي لوعي إسلامي آخر جديد) والمقصود به الوعي التنويري وقد حل محل الوعي الطائفي والمذهبي الملتهب أما الفصل الخامس والأخير فمكرس للتحدث عن وضع المرأة في السياقات الإسلامية. أما الملحق فهو عبارة عن مقابلة مهمة وممتعة أجرتها الباحثة الأكاديمية الجزائرية تسعديت ياسين مع البروفيسور
 أركون. 
يقول اركون : إن مستقبل الإسلام مرهون بالخروج من  الآيديولوجيا الواحدية  والدخول في عصر الحداثة والتاريخ الليبرالي الكبير واقتصاد السوق الحرة وهذه الموجة الأصولية المتطرفة ليست نهاية التاريخ، العالم الإسلامي مدعو للخروج من يقينياته اللاهوتية الدوغمائية وعقائده التكفيرية التي شوهت سمعته في شتى أصقاع الأرض. عاجلا أو آجلا سوف يستيقظ عالم الإسلام ويخرج من حالة الانحطاط والجمود إلى حالة النهضة والصعود. عندها  يتصالح الإسلام مع نفسه ومع الحداثة
 التنويرية .
 
ايقونة تنويرية 
محمد أركون (1928-2010)، العالم العميق الفكر والمثقف الملتزم (لا ينفصل تحليله المتين لأفكار إلاسلام عن دعواته المتكررة لإصلاح المجتمعات الإسلامية المعاصرة). ولد العام 1928 في بلدة تاوريرت ميمون (ويحكي أركون عن نفسه بأن هذه القرية التي انتقل إليها كانت قرية غنية بالمستوطنين الفرنسيين وأنه عاش فيها (صدمة ثقافية) ولما انتقل إلى هناك درس في مدرسة الآباء البيض التبشيرية، درس الأدب والقانون والفلسفة والجغرافيا بجامعة الجزائر ثم بتدخل من المستشرق الفرنسي لوي ماسينيون قام بإعداد التبريز في اللغة والآداب العربية في جامعة
 السوربون . 
تميز فكر أركون بمحاولة عدم الفصل بين الحضارات شرقية وغربية واحتكار الإسقاطات على أحدهما بدون الآخر، بل إمكانية فهم الحضارات من دون النظر إليها على أنها شكل غريب من الآخر، وهو ينتقد الاستشراق  كل ما كتبه أركون يندرج تحت عنوان: نقد العقل الإسلامي. ويصف مشروعه ،انه  لا ينحاز لمذهب ضد المذاهب الأخرى ولا يقف مع عقيدة ضد العقائد التي ظهرت أو قد تظهر في التاريخ؟ إنه مشروع تاريخي وأنثروبولوجي في آن معا، إنه يثير أسئلة متعددة  في كل مرحلة من مراحل
 التاريخ. 
ولايكتفي بمعلومات التاريخ ويتساءل عن تاريخ المفهومات الأساسية المؤسسة كالدين والدولة والمجتمع والحقوق والحرام والحلال والمقدس والطبيعة والعقل والمخيال والضمير واللاشعور واللامعقول، والمعرفة القصصية (أي الأسطورية) والمعرفة التاريخية والمعرفة العلمية والمعرفة الفلسفية ونقد العقل الإسلامي، كمشروع يتضمن محاولة لدمج العملية النقدية للفكر الديني الإسلامي في عملية نقدية أكثر عمومية للفكر الديني على العموم، ويوضح ذلك أركون (وقد شكل بالتعاون مع الأب كلود جيفري ومع فرانسواز سميث فلورنتان وجان لامبير (مجموعة باريس) داخل الجماعة الأوسع للبحث الإسلامي – المسيحي التي كانت قد أسست من قبل الأب ر. كاسبار وتم استخدم أرضية التحليل الألسني والسيميائي الدلالي المرتبط هو أيضا بممارسة جديدة لعلم التاريخ ودراسة التاريخ. اقصد بذلك دراسة التاريخ بصفته علم أنثروبولوجيا الماضي وليس بصفته سردا خطيا مستقيما للوقائع المنتخبة بطريقة
 معينة) 
 
سيرة وأفكار وتاريخ 
عين محمد أركون أستاذا لتاريخ الفكر الإسلامي والفلسفة في جامعة السوربون العام 1980 بعد حصوله على درجة دكتوراه في الفلسفة منها. وعمل كباحث مرافق في برلين عام 1986 و1987. شغل ومنذ العام 1993 منصب عضو في مجلس إدارة معهد الدراسات الإسلامية ؟ صدر له كتاب الفكر العربي وكتاب الإسلام: أصالة وممارسة وكتاب  تاريخية الفكر العربي الإسلامي أو نقد العقل الإسلامي وكتاب  الفكر الإسلامي: قراءة علمية وكتاب الإسلام: الأخلاق والسياسة وكتاب الفكر الإسلامي: نقد واجتهاد والعلمنة والدين: الإسلام، المسيحية، الغرب وكتاب من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي ومن فيصل التفرقة إلى فصل المقال وكتاب أين هو الفكر الإسلامي المعاصر؟ والإسلام أوروبا الغرب، رهانات المعنى وإرادات الهيمنة ، وكتاب نزعة الأنسنة في الفكر العربي . 
وكتاب قضايا في نقد العقل الديني. كيف نفهم الإسلام اليوم؟ والفكر الأصولي واستحالة التأصيل نحو تاريخ آخر للفكر الإسلامي..معارك من أجل الأنسنة في السياقات الإسلامية، وكتاب من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، وكتاب أين هو الفكر الإسلامي المعاصر؟ وكتاب القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب
 الديني.