العقلانيَّة

آراء 2019/12/17
...

د. كريم شغيدل
 
هل الطبقة السياسية تقرأ ما ينشر في الصحف والمجلات وما يقال عبر الفضائيات وتتابع ما يجري على مواقع التواصل الاجتماعي؟ قد يقول قائل بأن أوقاتهم لا تسمح، وربما يكلفون مكاتبهم الإعلامية بمتابعة ما يخصهم، لكن من الواضح أنّ للسوشيل ميديا سحرا خاصا في التواصل الفوري والسريع، فهل هناك استجابات حقيقية لما تشيعه صفحات التواصل من مطالب؟، هل هناك من يحاول دراسة الشخصية العراقية من خلال إفرازات الراهن؟، مدى تطورها أو تقلّبها أو تناقضها أو تمرّدها أو تفاعلها مع 
الأحداث؟. 
في الصحف اليومية الورقية أو الإلكترونية هناك مئات المقالات والدراسات التي تقدم رؤى مختلفة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهناك مؤلفات وكتب مترجمة تتحدث عن الحالة العراقية، وتقارير تصدر من مراكز البحوث العالمية، كما لدينا مراكز بحوث شبه معطلة وغير فاعلة بسبب إهمالها من دوائر القرار، ومن يجمع كلّ ما يصدر من كتابات عن العراق وهو يعيش ظرفاً استثنائياً فسيخرج على أقل تقدير بحصيلة معرفية مكونة من علل وأسباب ونتائج وتكهّنات، وبإمكان الخبراء أن يضعوا حلولاً للعديد من الأزمات، لا سيما أنّ العالم قد تجاوز الحاضر معرفياً باتجاه المستقبليات.
لِمَ لا تتم الاستعانة بمراكز البحث؟ أو لِمَ لا تكون لدينا مراكز بحوث فعالة؟ ولِمَ لا تكون لدينا تجارب ميدانية حقيقية في إعداد التقارير الاستراتيجية عن أوضاع البلادوالعالم؟ 
لِمَ لا نملك قواعد بيانات معتمدة؟ ولا نمتلك مراكز استطلاع وثقافة استطلاعية؟ ماذا يعرف السياسي عن رغبات الجمهور أو ما يجري في الحياة اليومية ما لم يطلع بصورة متواصلة على ما تنقله وسائل الإعلام وما يطلقه الكتاب والمفكرون وسائر المثقفين والمعنيين من آراء ووجهات نظر مستمدة من الواقع؟ لماذا يستبد ذوو السلطة دائماً بآرائهم ويخيّل إليهم بأنّهم يعرفون كلّ شيء؟. 
نحتاج اليوم إلى العقلانيّة بكلّ معنى الكلمة وما تنطوي عليه من مخرجات لتحكيم العقل بمعالجة أوضاع البلد بدل سورة العنف وتكميم الأفواه وعمليات القتل والخطف واستهداف المحتجين، نحتاج إلى تطبيق حقيقي للحقوق الدستورية في حرية التعبير عن الرأي والحريات العامة ومكافحة الفساد وسن قوانين حامية لحقوق المواطن وكفيلة بتنظيم وإعادة بناء الحياة السياسية بصورة أفضل، وإلى العدالة وفصل السلطات والانتخابات الحرة والتأسيس الحقيقي للديمقراطية وللدولة المدنية التي تكفل حرية الجميع وحقوقهم، وكلها تبدو أمنيات إنشائية لكنها ليست مستحيلة في ظل قوانين صارمة ورقابة حقيقية.
وأخيراً وليس آخراً نقول متى تعي الطبقة السياسية بأن وجود الميليشيات وامتلاك السلاح خارج إطار الدولة قضية لا تحتمل التأجيل، فهي من أخطر الأسباب التي تحول دون قيام دولة ديمقراطية مستقلة، وهي غطاء لمعظم الفساد، كما أن فصل الدين عن الدولة لا يعني التحول من الإيمان إلى الكفر، إنما يعني حفظ الصورة النقية للدين وقطع الطريق على من يستغله لمآربه واستغفال البسطاء من عامة الناس.