شهدت فرنسا امس ما اسمته وكالة الصحافة الفرنسية بـ “ثلاثاء أسود” جديد في ظل تعبئة نقابية واسعة للتظاهر والاحتجاج. بالتزامن مع دخول اضراب قطاع النقل اسبوعه الثاني على التوالي ما صعب بشكل كبير من قدرة المواطنين على التنقل.
وافادت الوكالة بان هذه الاحتجاجات يشارك بها عمال سكك الحديد والطلاب والموظفون الحكوميون والعاملون في قطاع الصحة والمحامون والقضاة والمعلمون رفضا للمقترحات الحكومية بشأن اصلاح نظام التقاعد.
وتسببت الاضرابات الواسعة بخنق الحركة في العاصمة باريس احتجاجا على نظام اصلاح التقاعد الذي طرحه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون. اذ يواصل عشرات الآلاف اضرابهم لليوم الـ12 على التوالي. ونتج عن ذلك حدوث اضطرابات كبيرة في قطاعي النقل والصحة والقطاع العام بالعاصمة باريس ومدن أخرى.
وفي باريس تم اغلاق 8 خطوط للمترو، ونحو 20 محطة، إلى جانب خطوط أخرى تعمل على فترات متقطعة خلال اليوم. كما تسببت الازدحامات المرورية التي امتدت على طول نحو 630 كم إرباكا شديدا لحركات السير في العاصمة باريس ومحيطها. كذلك شهد يوم امس الثلاثاء اضراب ما نسبته 61 بالمئة من مشغلي القطارات العاملين لصالح شركة السكك الحديدية الوطنية المملوكة للدولة (SNCF). وتم تأجيل امتحانات نهاية العام للجامعات نتيجة الأزمة التي وقعت فيها البلاد بسبب الإضراب.
ونقلت الوكالة عن مدير شركة السكك الحديدية الوطنية، الاين كراكوفيتش، قوله في مؤتمر صحفي: ان عمليات الإضراب كلفت الشركة خسائر بلغت 22.3 مليون دولار يوميا.
وفي 5 كانون الأول الجاري، شهدت فرنسا أحد اكبر الإضرابات في تاريخها الحديث، واستمرت فعاليات الإضراب حتى اليوم احتجاجا على خطط ماكرون حيال نظام التقاعد. واعلنت وزارة الداخلية في فرنسا ان 806 آلاف شخص شاركوا في احتجاجات 5 كانون الاول، بينما رجحت نقابات العمال أن العدد بلغ مليونا ونصف المليون.
وتعترض النقابات العمالية على اقتراح الحكومة الفرنسية، رفع سن التقاعد الكامل الى 64 عاما، مع ترك عمر 62، عمرا قانونيا للتقاعد. غير أن هذا الطرح يترتب عليه احتمال ان يكون الراتب التقاعدي عند سن 62 عاما غير كامل، وهنا يختار العامل او الموظف بين العمر القانوني والعمر الكامل؛ ما اعتبرته النقابات نوعا من اكراه الفرنسيين على العمل اكثر، أي ما بعد العمر القانوني للتقاعد.
الى ذلك أعلنت الرئاسة الفرنسية امس الاول الاثنين أن المفوض الأعلى لأنظمة التقاعد جان بول دولوفوا قدم استقالته الى الرئيس إيمانويل ماكرون على خلفية اتهامه بتضارب مصالح بعدما اغفل في اعلان المناصب التي شغلها مع وظيفته الحكومية. وأوضح قصر الإليزيه أن ماكرون قبل الاستقالة “مع الأسف”، مضيفا إنه سيتم تعيين مفوض جديد “في أقرب وقت”. من جانبه قال دولوفوا في بيان: إن مصداقيته تضررت بسبب “هجمات عنيفة” من جانب النقابات وقادة المعارضة الساعين إلى تشويه إصلاح شامل لنظام التقاعد يعتبر أنه “ضروري لفرنسا”.
وتشهد فرنسا، منذ نحو عام، احتجاجات عمالية اعتراضا على إجراءات حكومية، أبرزها حراك “السترات الصفراء”، الذي ينظم مسيراته أيام السبت من كل أسبوع. اذ أسفر استخدام قوات الأمن، للقوة المفرطة ضد المتظاهرين، خلال السنة الأخيرة، عن مقتل شخص وإصابة نحو 500 آخرين. كما تسبب ذلك في فقدان 26 شخصا لأبصارهم، وقطع أيادي 5 آخرين، بينما شهدت نفس الفترة توقيف أكثر من 12 ألفا، وسجن 3 آلاف و163 آخرين.