شدو الروح وأناقة البوح

ثقافة 2019/12/18
...

 صباح محسن كاظم
 
مُنتجة تلك النصوص الباذخة تُعبر فيها عن الحس الوطني العام، من خلال الإحساس الخاص في ثنائية( الأنا /الآخر) أو (الذات/الموضوع)  وبذلك تعمد على شعريتها بلغة تواصليّة رفيعة من الناحية السايكولوجية في الاختيار بين البوّح الشعريّ عن هم الذات بالحب، والعلاقة الإنسانيّة العاطفيّة وبين الآخر الوطن الملاذ الآمن للجميع، من هنا جاءت المجموعة بين الحبيب و الوطن
يدُ الله
بصمت قاتل يعيشون
ويحلمون بالتغيير
ليستطيعوا البوح
عن ما في داخلهم
سنوات من العذاب
أشعلت في النفوس اللهيب...
ترسل الشاعرة زينة حمود شفرات ورسائل مُعبرة عن ذاتها، ووطنها بصدق البوّح المتدفق من شلال الروح، فالشعر ومضة وضوء بعد بريق الروح التواقة للحرية في شفراتها المضمرة رسالة جوهريّة. الاحتجاج، ويافطة الرفض، وصفع كل صوّر المأساة بالواقع، من أجل الارتقاء بوجودنا الإنساني.. بعد خيبات الحروب، والأسى  المزمن الماكث بشرقنا، وأمتنا. جغرافية العذاب التي لا يستوطنها الفرح، و اختفت تغريدات البلابل، بل أصبحت وأمست حيواتنا ركام خرائب ينعق بها الغراب. الشاعر موقف، و التزام، وصوت معبر عن آلام، وآمال مجتمعة، وقد جسدت ذلك الشاعرة المبدعة زينة حمود التي تنطق بصوت الفقراء،و أنين الضحايا بنصوصها الوطنية كما (قالت، خلف الجدران، المسؤول...).
تجهد في كتاب (أسس السيميائية) دانيال تشاندلرت :د. طلال وهمية ص ٢٩١: “ليس من نص يستخدم شيفرة واحدة كلّ النصوص تستخدم عدة شيفرات، ويختلف فرز هذه الشيفرات من منظر إلى آخر” . ويورد رولان بارت في كتابه (z/s) خمس شيفرات مستخدمة في النصوص الأدبية : التفسيرية (نقاط تحول السرديّة اساسيّة;الثقافيّة (معرفة اجتماعيّة مسبقة) ;المكوّنة  للدلالة (شيفرات وسيلة الإتصال) ;الرمزيّة (المواضيع).
لقد ركزت زينة بتلك النصوص برسائل روحية عانقت فيها الوطن كما في بعض  النصوص من هذا الديوان، وعالجت شيفرات عاطفيّة العلاقة مع الآخر الحبيب كما بديوانها الأول “قررتُ الرحيل” الذي قدمتُ فيه دراسة نقديّة لصحف محليّة وعالميّة نشرت بوسائل التواصل الاجتماعي باعتبار هذا الوسيط الذي يحمل الرسائل اليوميّة لكل العالم.
يجدر التعريف بهذه التجربة التي أرى فيها التفوق بالبوّح والابتعاد عن المباشرة في الديوان الجديد..
نسق بناء النصوص :البناء الشعريّ،وجمالية الألفاظ اعتماداً على :
١_ عدم الإيهام والغموض.
٢_ بيان خبايا الإحساس بجمال الصور الشعرية.
فالإسراف بالإيهام يوهم الشاعر المتلقي بإحالات ودلالات وتأويلات لاتسمح العولمة، وعصر السرعة بالعودة لمصادر اللغة، وماهية الفكر، وعمق الميثولوجيا وهذا يتطلب الجهد المعرفيّ والفكري العميق، نعم هو ذلك الحداثة الشعرية التي تغوص بعمق المعنى، وجدواه، وتفتح الأفق على التأويل والحفر الجمالي، فيما تحث زينة على التعبير السياقيّ بديوانها هرمونياً، وبانورامياً متخيلاً عن خلجات الروّح بإحساس دافئ ينساب مترقداً من  غدير ماء صاف، دونت همومنا، برفق، ولين، وتوئدة.. مستلة جمال الصورة الشعريّة من غنائيّة، وصوفيّة، ورومانسيّة تسمو بالروح التواقة للحب، وحكايا القرب، في أفق إنساني بعيداً عن الكيد، والتخوين، و الخواء، والهراء، فالغنائية وعي تكتب شعورها الذي يُعبر عن خطر البوّح الشهيّ، يحلق بسماء شاهقة للأمل بعيداً عن أغلال القضبان، وتقييّد الزمان الذي يُكبل المشاعر، والإحساس، فالتوق للقاء القاسم المشترك للنصوص بالديوان : الصوفية، النقاء، التحليق، الارتقاء في إجراء تتنهد : تتنهد الآهات
بعد عبور الشطآن
واجتياز المحطات
واللعب على عقارب الساعة.....
تتنهدُ
وعيناها تتوعدُ
وكما في نصوصها الجميلة الأخرى( الكلمة، زيديني عشقاً، المصير، الضمير، حبيب سرك غريب، حلم، لقاء ومساء، روح، موعد مع القدر، جرح عميق، خمس دقائق، أقدار، وفاء، سرك، عطرك...) وفي نصها الجميل، المعبر عن عمق العاطفة أجد براعة التعبير : صباحك أنا
‏لاح لي طيفك من بعيد
يخاطب الوجدان والمصير
ويُطارد غمام العشق
لاحقاً بأسراب السبيل
باحثاً عن أمل
بين سحاب السماء
التي حاصرها الزمان
فأضاءت نجوم المساء
بزخات مطر كالحرير
أرخت بظلالها على العشيق
فنبض القلب 
واستفاق على عيد.....
الإرهاصات الوجدانيّة المُعبرة بلغة شفافة تنبئناعن طاقة شعريّة تخطو نحو الشمس نأمل لها الارتقاء في سِلم الشعر
الجميل.