جيل الغضب

ثقافة 2019/12/21
...

  حميد المختار 
 
حفلت الاداب العالمية بمصطلح جيل الغضب الذي ورث عذابات الحروب ودماراتها في اميركا واوروبا وبلدان الشرق جميعاً، تلك البلدان التي دمرت الحروب بناها التحتية وارثها الحضاري العظيم، ولكن ومهما تفعل الحروب من تدمير وقتل وموت سيخرج من رماد حرائقها جيل يتلمس خطاه في ظلمة دامسة، جيل يبحث عن كوة نور ليمارس حياته، جيل خلق من العدم ارضية مبتكرة ومنصة انطلاقة جديدة ليفتح افاقا اغلقتها الحروب والحصارات والدمار والموت، من هنا بدأ ارث جديد يتشكل على انقاض ركامات وقبح مستفحل، من هناك ومن عمق الظلمة في السجون تعلو اصوات الحرية والبطولة والولادة الجديدة كصوت المغني اليوناني ( ثيوداريكس ) في حقبة المقاومة اليونانية، غنى اغنية باعلى صوته من اعماق سجنه المظلم: 
( انتم لديكم دبابات 
    نحن لدينا اغان 
وكل دباباتكم 
لا تستطيع قتل اغنية واحدة  ) 
ويبدو لي ان هذه الظاهرة صارت تنتشر في ربوع العالم اجمع منطلقة من الفسح الضيقة للعنف والسجن والتنكيل، ومن هنا ايضاً بدأ في العراق الجيل ذو ملامح مشتركة مع كل اجيال الغضب في العالم، وصار الناس يطلق عليه جيل ( البوبجي ) وجيل  (التوك توك ) هذا الجيل الذي فاجأ العالم اجمع حين حمل مسؤولية تاريخية وحضارية وهو مازال بعمر الورود فمعظم الذين خرجوا الى ساحات التحرير والتظاهر والحراك الشعبي في ثورته العارمة اقول معظمهم ولد بعد الـ ( 2000 ) او قبله بقليل، ملامحهم مشتركة في كل شيء نظراً لوحدة المصادر والمراجع سواء الاجتماعية او الفكرية او الثقافية، وحين اراهم في شارع المتنبي او يصادفني احدهم ويسألني عن آخر رواياتي ومتى تصدر افرح وينشرح صدري ويكبر أملي واطمئن على العراق وهو يحتضن جيلاً جديداً يحمل هم الوطن ويتابع ثقافته ويبني بناه الروحية والحضارية حتى صار اليوم يحمل احلامه وتطلعاته في التحرر وبناء عراق جديد واحد وموحد من خلال حراكه الكبير وهو يقود واحدة من اعظم الانتفاضات الشعبية الثقافية والفكرية في وجه الفساد والتسطيح والقبح والجريمة، صارت العيون والافئدة متطلعة اليه تهفو وترجو وتأمل ان يستمر ويفلح في انجاح هذا الحراك العظيم الذي سيقود العراق الى عهد جديد ومن ثم الى وضع اسس جديدة لادب الاجيال الغاضبة العراقية في الرواية والشعر وباقي الفنون .