مهمة السرد الشاقة

ثقافة 2019/12/24
...

حسين رشيد

 
 
في الأحداث التاريخية والمنعطفات الكبرى في مسيرة الشعوب وما تمر به من محن وحروب تنجم عن هزات اجتماعية واحتراب داخلي وغير ذلك من أمور جمّة، يكون للفن والأدب دور بارز ومهم في رصد تلك المنعطفات والمتغيرات، الفن ومن خلال الدراما او السينما او المسرح، وفيما يكون الشعر اول ادوات الادب التي تدخل مضمار اي حدث حتى مع بدايته وربما يكون الشعر محفزا لتنامي الحدث وبشكل خاص اذ كان حركة احتجاجية او تظاهرات مطلبيّة، كما يحدث في العراق الان، اذ لم يبتعد الشعراء عن ساحات التظاهرات وجودا وكتابة عبر قصائد تنبض بحركة التظاهر وتتغزّل ببطولات الشباب المحتج، وتقطر حزنا على الدماء التي سالت، لكن مع ذلك تبقى القصيدة رهينة اللحظة الحداثوية المداعبة للمشاعر والاحاسيس.
حتما لكل حدث تفاصيل وزوايا عدة تحتاج الى تمعن وتفحص وتفكيك، فضلا عن اهمية التوثيق التي يفترض انه يبتعد عن التوثيق التاريخي المستند الى الانتماء الديني او الطائفي او القومي او الحزبي هذا اذ كان الحدث نزاعات او صراعات قومية او طائفية كما تلمسنا ذلك في بعض الاعمال السردية خاصة ابان النظام السابق، وكيف كان البعض من الساردين يميلون الى الانتماءات القومية والطائفية ارضاء للسلطة البعثية. وهذا الامر لم يتوقف للاسف فقد شهدت مرحلة ما بعد نيسان 2003 تفشي سرد معاكس او لنقل مضاد قوميا وطائفيا ايضا تسبب في خلق شرخ ثقافي وأسهم بضخ خطاب الكراهية والحث على العنف اتضحت معالمه بشكل جلي بعد حزيران 2014 واقتراف داعش الارهابي مجزرة سبايكر.  هنا تأتي اهمية السرد المجرد من كل هذه الانتماءات ليدخل الى صميم الحدث متناولا جانبا معينا بتفاصيل دقيقة دون اهمال جوانب الحدث الأخرى، التي يمكن ان يتناولها سارد اخر وهكذا. لكن كيف سيتعامل السرد العراقي وخاصة الرواية مع حركة الاحتجاجات والتظاهرت التي تشهدها العديد من مدن البلاد، ومازال هذا السرد واقفا متفرجا على احداث سابقة منذ الحرب العراقية الايرانية وحرب الخليج الثانية والحصار الاقتصادي ابان التسعينيات وسقوط النظام في نيسان 2003، والاحتراب الداخلي والتشدد الطائفي والارهاب، التهجير القسري، النزوح، وصولا الى ما شهدته التظاهرات الاخيرة من احداث مأساوية سقط خلالها عشرات الشهداء والجرحى لكل واحد منهم قصة وحكاية سببت وجعا وهما لأسرته واقربائه ولكل من يعرفه.
مهمة السرد ليس بالسهلة او الهينة والبلاد تعيش في دوامة من المتغيرات والمنعطفات التي تصنع وتنتج على احداث جديدة متولدة من صلب الحياة اليومية للفرد العراقي، خاصة الجيل الحالي الواقف والمعتصم في ساحات الاحتجاج، الجيل الذي عاش طفولة الخوف من الطائفية والمناطقية، الجيل الذي حرم من خيرات بلاده بسبب الفساد وسرقة احلامه بالمحاصصة الجيل الذي يبحث عن كل شيء في تفاصيل ذاكرة الاهل، جيل كان الجميع يسخر منه لكنه عاد منتفضا وقدم درسا لكل الاجيال، جيل توقف عنده التنظير بل بات نظرية اجتماعية جديدة ربما تصعب من مهمة السرد وتجعلها شاقة، في الكتابة عن هذه المرحلة الحرجة والمهمة من تاريخ البلاد والتي تحتاج لدراسات اجتماعية ونفسية واقتصادية وعشرات القصص والروايات.