د. حسين القاصد
أفتقدك جدا، وأشتاق للحد الذي لا تقوى فيه كلمة “أشتاق” للإحاطة بما يعتريني من شوق في كل لحظة؛ أفكر أن اتصل بك يا صديقي، فرقمك مازال محفورا بقلبي قبل هاتفي، لكني أخشى صدمة الجواب التسجيلي الجاف : “الهاتف المطلوب قد يكون مغلقا !! ، يا ألف « سحقاً” لهذه الـ “قد” التي تحولت من التقليل الى التحقيق، ومن التشكيك
إلى التأكيد .
أبا هاشم الحبيب يامن ناديتني» بشقيق روحي” لماذا تركتني دون شقيق؟ وكيف بفكرة اريد أن اسألك عنها، وكيف بمساء يوم الجمعة المخصص للقائنا الثابت؛ مازال لديّ الكثير من الأسئلة أيّها الحبيب الغالي، فلماذا أخذت معك الأجوبة .
تمر علينا هذه الأيام ذكرى العلامة الكبير المفكر الباحث الناقد الثقافي الأسبق الدكتور محمد حسين الأعرجي، فقد انتقل إلى غربته الأخيرة في مثل هذه الأيام عام ٢٠١٠ ، تاركا خلفه إرثا ثقافيا كبيرا لأمة اختارت أو اختير لها أن لا تقرأ، بل تستعجل الكتابة فقط .
انتقل إلى رحمة الله تعالى في مثل هذه الأيام قبل تسعة أعوام صاحب كتاب “في الأدب وما اليه” وكتاب “الجواهري- دراسة ووثائق” والذي جمع فيه من الوثائق ما لم تحتفظ بها أسرة الجواهري الكبير نفسه .
كنت قبل يومين من وفاته في ضيافته في بيته، أنا وزوجتي وابنتي قصائد، ولا أدري ماذا ستقول قصائد حين تكبر؛ وقد كان الأعرجي الكبير قادما لتوهِ من دولة قطر، بعد أن كرمته الجامعة العربية بصفته رائدا للثقافة العربية في العراق؛ وقد كان مبتهجا متفائلا، مع أنه بدأ يتعاطى العلاج الكيمياوي للمرض اللعين ؛ وقتها قال لي لاتقلق فأنا سأعيش عامين على الأقل !! وقد اتفقت مع دار نشر قطرية على إصدار أربعة كتب جديدة؛ قالها وكانت أمامه مسودة كتابه الأثير “شذرات من العامي والمولد”، وانا أطمأننت لقوله بأنه سيعيش ومصدر اطمئناني هو اني اثق به وباصراره
على الحياة .
غادرته والتحقت إلى جامعة القادسية حيث التزامي الوظيفي هناك وقتها، وبين آخر يوم جمعة جمعنا وأول يومين في الديوانية، اتصل بي الحبيب الفقيد الراحل ابراهيم الخياط ليسألني ويتأكد عن مدى صحة خبر وفاة “ الأعرجي”، فصعقت جدا واحتجت وقتا غير معقول لأوعز ليدي بأن تتصل بأبي هاشم او بزوجته، فردت عليّ أم هاشم ، نعم، توفي صاحبك ، فركضت يسبقني الدمع إلى مكتب عميد الكلية، ودون أن استأذن مدير مكتبه، دخلت وصرخت بدمع صائت ، الأعرجي مات ، مات صاحب “جهاز المخابرات في الدولة الاسلامية” ، مات فاضح “أوهام المحققين”، مات الوسيط بين “ أجداد وأحفاد» ...
مات الأعرجي .
لكن، هل مت فعلا يا شقيق روحي ؟ كيف تموت ومازالت كتبك الجديدة تصدر؟ رحمك الله يا شقيق الروح، ولا تقلق عليّ فأنا برفقة حبيبك سعيد عدنان.