عالية طالب
كيف يتحقق العقل الجمعي الايجابي في مقابل " السلبي" حيث يتخلص الثاني من ارهاق التحليل الفكري الذي يتطلب رؤية واضحة ومعمقة بعيدا عن الضغوط التي تمارس ضده لاستلاب عقله ضمن توجهات يسرع للهتاف لها من دون ان يجيد الفرز وقراءة الواقع بعقل منظم
تفسيري.
كثير من علماء الاجتماع امثال " دوركهايم "" ابن خلدون" " هيربيت سبنسر" وغيرهم، حاولوا اعطاء اضاءات مجتمعية ضمن المواقف المصيرية المشتركة لعديد من الفئات التي تتحقق مسارات تطابقها مع الحقيقة الثابتة القائلة: ان من حق المجتمعات التمتع بكل ما يؤمن لها منظومة راسخة بين ثنائية الحقوق والواجبات، والتي ان تم خرق اي منها فان المجتمعات ستعيش في خلل تنظيمي يترك آثاره السلبية في أكثر من مجال، وهذا الفصل يتطلب وعيا " فرديا" يتماشى مع الدعوات الجمعية الايجابية وصولا الى تحقيق اهداف سامية.
ومن مراجعة معاصرة لما مر به مجتمعنا من ازمات صعبة طالت الارواح والممتلكات العامة والخاصة ، نجد ان تأثيرات تغييب الوعي الفردي والانسياق الى الجمعي كان سببا رئيسيا في عديد مما حصل في مجتمعنا من كره للآخر وطائفية مقيتة وظهور قيادات فاسدة ومنحرفة وتسلط وتهميش وتفتيت لبنية مجتمع عاش مسالما مؤمنا بالإنسان والتعايش المشترك
، لكنه فقد تلك المرتكزات الواعية نتيجة التجهيل المقصود الذي ضخم الأنا وجعل البوصلة منحرفة ومؤمنة بأن وجود الاخر هو تهديد للانا المريضة ، وهكذا انتعشت الظواهر المرفوضة التي لم تدم طويلا بسبب انتفاض صدق الانسانية في النفوس التي اكتشفت حجم اللعبة المشينة واستعادت توازنها بعد دفع ضرائب
متعددة.
ومؤكدا أن تغيير السلوكيات والتصورات الجمعية السلبية والخاطئة، لا يمكن ان يأتي عبر ذات المنظومة وهو مختلف حسب البيئات ما بين المدينة والقرية والنواحي ، ونجد تأثيراته في حواضر المدن اقل من غيرها لأسباب اجتماعية معروفة تتعلق بتأثيرات العشيرة والعرف والعادات الموروثة التي تعطي لرئيس القبيلة سلطة القرار الجمعي الذي يؤثر في المجمل المجتمعي
العام.
فكرة الحرية والديمقراطية لم تصل الى تحقيق الفكر الحر المتخلص من التبعية الفكرية للآخر ، ولن يتحقق الأمر الا بالعمل على اعادة بناء الانسان من رياض الاطفال صعودا وتغيير البنية التربوية والمجتمعية لنحقق تدريب الاجيال على التفكير بصوت عال وحر وقادر على النقد والتحليل دون الاتكال على التسليم بالرأي العام المرسل والقبول به سواء اكان ايجابيا أم سلبيا.
وعبر هذا المفهوم فأننا سنتمكن من ايجاد القائد المتسلح بالعقل الحر وغير الراضخ للصوت الصاخب الذي يحاول استنساخ عقله وتوزيعه بين الاخرين لإلغاء التفكير القادر على احداث البرهان والتحقق من النتائج المستلمة فعليا وليس بالاعتماد على " سوف" التي عانى منها المواطن المنتظر طويلا ولم يحصل الا على الوعود الزائفة وابقاء واقعه المتردي في اسفل درجات السلم الذي وضعت شتى العراقيل لعدم تسلقه بسهولة وبلا تدخلات وبلا محاولات
بائسة .