كانت علاقتي ببابا نوئيل، تقول الكاتبة الأميركية سارة سلوت، علاقة براغماتية على الدوام. فكنت أؤمن بتحركاته منذ الصِّغَر تقريباً ــ أتتبّع حركاته المذاعة في نشرات الأخبار المحلية، وأرى أن كل هداياه تجيء في ورق تغليف أكثر خياليةً بكثير، وأتفحص علامات الشفاه على كأس الحليب الفارغ.
وتبيّن الاستطلاعات أن 84 بالمئة من الأميركيين الراشدين كانوا يؤمنون ببابا نوئيل وهم أطفال ــ أطفال يقولون إن بابا نوئيل حقيقي كما هي الحال مع مايكل جوردون، ( لاعب كرة السلة )، بل وكان بالنسبة لي أكثر واقعيةً بكثير من مايكل جوردون، الذي لم يعطني هديةً ولا مرةً واحدة!
وقد سألتُ ماما، وأنا في الصف الثاني، كيف يستطيع بابا نوئيل أن يظهر في أماكن كثيرة جداً ليقدم الهدايا للأطفال في وقت محدود كهذا. فقالت لي ليس كل بابا نوئيل هو بابا نوئيل حقيقي، وإنما هم رجال نشامى يطلب منهم بابا نوئيل مساعدته في ذلك. فكنت أرى أن من المنطقي أن يكون بابا نوئيل رجلاً مشغولاً إلى ذلك الحد.
ذلك هو نوع الكذبة المحبَّبة التي تقولها الأمهات والآباء لصغارهم فيما يتعلق ببابا نوئيل. وهي كذبة لطيفة يسهل قولها. وذلك جزء مترسخ من ثقافتنا، أي التحدث إلى الصغار حول بابا نوئيل، يبدو اعتيادياً بشكل غريب. و كما يؤكد علماء النفس، فإن ترك الأطفال يستخدمون خيالهم لاستحضار هذه الصورة أمر صحي، قائلين إن الممارسة هي ما سوف يساعدهم لاحقاً على الحلم بالاختراعات وفِكَر كبيرة أخرى. كما ظهر لنا أن الحكايات الخرافية طريقة فعالة وذات مغزى لتعليم الأطفال الأخلاق؛ إذ تصبح قائمة ما هو شرير وما هو لطيف مرشداً للناشئ كي يكون شخصاً مهذباً. حتى لو كانت طيبتك مستمدة من خشية ألاّ تحصل على دمية من الفرو.
مع هذا، فإن 54 بالمئة من الأطفال، بمن فيهم أنا، يكتشفون الحقيقة من شخصٍ ما ليس أحد الآباء، في العادة. فقبل ثلاثة أسابيع من عيد ميلاد، وأنا طفلة، أخبرني زميل لي عمره ثماني سنوات بالصفقة. ضحكتُ منه. لا يوجد بابا نوئيل؟ إنك مجنون. إذا لم يكن بابا نوئيل حقيقياً، فكيف يمكن أن تكون هناك متبقيات من الجزر في أسفل مدخنتنا التي من الواضح أنه يرميه هناك بعد أن يُحضره إلى السقف لإطعام غزلان الرنة التي تجر عربته؟ وهو نفس الجزر الذي كنت أضعه بعناية إلى جنب بعض قضبان الذرة لأن جدي قال لي إن بابا نوئيل يحاول أن تكون صحته أفضل في تلك السنة.وبالرغم من أن ذلك لم يكن كافياً لصرفي عن قراري، فإن زميلي قد زرع بذرة من الشك لدي. وقبل الذهاب إلى المدرسة في صباح اليوم التالي، طرحتُ على ماما السؤال الثقيل، وأنا أوقفها قبل الدخول إلى السيارة. فاستمرت في سيرها، وأجلستني، ثم أعطتني أحلى جواب : “ لقد كان بابا نوئيل شخصاً حقيقياً ذات يوم، والآن نحن نكرّمه بتقديم هدايا مدروسة إلى الأشخاص الذين نحبهم أكثر. إنه عبارة عن إحساس في قلوبنا “. ففكرت مع نفسي : “ أجل، أعرف. بابا نوئيل إحساس في قلبي وهو أيضاً شيخ بدين يرد على رسائلي إليه كل عيد ميلاد “. وحين لاحظت ماما أنني لم أفهم قولها ، أخذت نفَساً وقالت :” لكن لا، بابا نوئيل غير حقيقي “. وبعدها تهت عن ذلك.
يقول البروفيسور في طب الأطفال، بيناجيمين سيغل،” يعيش الصغار حتى الرابعة، الخامسة، السادسة، السابعة، في ما ندعوه سنوات الحياة السحرية الفنتازية “. وأظن أن انهيار بابا نوئيلي جاء من فكرة أن سنوات الحياة السحرية الفنتازية انتهت؛ ومع دمار بابا نوئيل جاء دمار عيد الميلاد، وكانت نهاية عيد الميلاد تعني أن العالم ينتهي معه. فهل كان علينا أن نقوّض الشجرة، وقد انتهت الخدعة الآن؟ فماذا عن أنوار الوضع الاجتماعي المتوارث؟ لقد رأيت عالم الخيال يتداعى من حولي.
ووفقاً لبروفيسور في جامعة ألينويس، فإن الآباء والأمهات يستمرون مع ابن بابا نوئيل، ، من أجل ضمان التبعية الأبوية لدى أطفالهم والمحافظة على براءتهم. ومهما كان الأمر، فإن هناك دراسات تبيّن أن الأهل غالباً ما يكونون أكثر حزناً من أطفالهم حين تزول الحقيقة.
عن / Pacific standard