مخارج الحلول للأزمة السياسيَّة

آراء 2019/12/29
...

صادق كاظم 
 

تدخل الازمة السياسية في البلاد شهرها الرابع وهو معدّل مرتفع لأزمة ما زالت تراوح في مكانها رغم ان العراق سبق وان دخل موسوعة غينيس للارقام القياسية عندما بقي لمدة اكثر من 8 اشهر من دون حكومة خلال ازمة عام 2010 كأطول مدة في العالم التي احتاجت الى توافق والى تدخلات قبل ان تحسم في النهاية بشكلها المعروف.
عقدة الازمة تتركز في فهم الكتل السياسية لنصوص مواد الدستور وتعاملها وفق ذلك مع معطيات الازمة من خلال اصرارها على تقديم مرشح منها يتولى رئاسة الحكومة خلال الفترة الانتقالية التي حددت بعام واحد من اجل الاعداد لانتخابات نيابية جديدة حسب مطلب المتظاهرين والمحتجين، لكن الاصرار على ان يكون المرشح حصريا منها وحسب قناعاتها قد جعل من طرح اي مرشح منها امرا مستحيلا وفي الوقت نفسه تمانع طرح اي مرشح اخر من غير كتلتها من دون موافقتها ورضاها وشروطها مما يعني ان الازمة ستراوح في مكانها وستستغرق وقتا طويلا قبل ان تجد طريقها الى الحل. 
دخول البلاد مرحلة الانسداد السياسي يعطي مؤشرا على عجز الكتل السياسية واصرارها على سياسة الحصول على كل شيء او لاشيء وغياب عامل المرونة في التعاطي والازمات وابقائها عند مستوى الجمود والمراوحة يهدر وقتا ثمينا البلاد بأمس الحاجة اليه من اجل تجاوز نفق الازمة المسدود، خصوصا وان هناك ارتدادات سلبية للازمة بدات تظهر على السطح ابرزها واخطرها محاولات تنظيم داعش الارهابي لملمة صفوفه وفلوله واعادة تهديد المدن والمناطق المختلفة التي سبق وان طرد منها، فضلا عن عودة مظاهر التجاوز على الاملاك العامة وبقوة عما كانت عليه في السابق،فضلا عن التوترات والنزاعات العشائرية في بعض المناطق.
الازمة السياسية المحتدمة في البلاد بحاجة الى الحكمة والمرونة المتبادلة والاتفاق على طرح مرشح مستقل يمتاز بالمهنية والكفاءة والنزاهة من اجل ادارة عمل مؤسسات الدولة وتلافي الاوضاع السلبية الناتجة عن هذا الفراغ الحكومي لحين الوصول الى مرحلة الانتخابات تمثل الحل المطلوب والمنتظر وعدم الركون الى منطق الارباح والخسائر في ما يتعلق بادارة الازمة وتقديم المصلحة الوطنية العليا على حساب المصالح الحزبية الضيقة.
الازمة السياسية الحالية بأبعادها المختلفة بدأت تدخل في نفق الجوانب الدستورية من الممكن ان تقترب من شكل النظام السياسي بعد ان قام البرلمان باقرار قانون جديد للانتخابات التشريعية، يقوض كثيرا من نفوذ الاحزاب وسلطتها، خصوصا وانه يفقدها الكثير من الامكانيات التي كانت تسمح لها بحصد اعلى النسب من المقاعد في البرلمان،فضلا عن قيام رئيس الجمهورية بتقديم كتاب استقالته الى رئيس البرلمان مما سيضع البلاد امام ازمة دستورية خطيرة، خصوصا وانه سيجعل البلاد من دون اكبر رئيسين في البلاد وان كان يفهم على انه من باب الضغط على الكتل لابداء المرونة تجاه الازمة ومعالجتها وأنه في ظل تباين مواقف الأحزاب والقوى السياسية وكتلها البرلمانية، إلى المتظاهرين، وصولاً إلى تفسير المحكمة الاتحادية، مما جعل رئيس الجمهورية يتخذ موقفا محايدا يجعله في غنى عن الدخول في جدال ينعكس سلباً في الشارع وهو ما انعكس بوضوح في موقفه الاخير.
تجنب اشتداد الازمة ووقوفها عند هذه الدرجة من التعقيد المتصاعد والمتزايد مهمة تقع على عاتق الكتل السياسية المعنية بالازمة مع الاخذ بنظر الاعتبار مطالب المتظاهرين والمحتجين الذين يرغبون بتكليف مرشح مستقل من خارج الكابينة الحزبية والسياسية وهو مطلب ليس بالصعب، بل يعبر عن مرونة من قبل الكتلة السياسية المعنية بالازمة، حين تقدم الحل وهو ليس صعبا عليها، بل سيسجل لها كانجاز كبير حين تسهم  في حل الازمة وتفكيكها.
التعرض للازمات واطالة عمرها وتعقد الحلول السياسية سمات ظلت تلازم المشهد السياسي العراقي خلال الفترات السابقة مع فارق كبير وخطير هذه المرة باعتبار ان الازمات السياسية في السابق كانت  تنحصر بين الكتل السياسية وحدها من دون تدخل الشارع فيها مما يفرض على الكتل السياسية المعنية بالازمة التعاطي معها برؤية وعقلية مختلفة تجد مخرجا وحلا لازمة سياسية معقدة لم تمر بها البلاد من قبل وتنعكس عليها ابعاد سياسية وامنية خطيرة.