المهيمن التقليدي الأضعف *

ثقافة 2019/12/30
...

بشير حاجم
 
حين التعامل مع «لميعة عباس عمارة»، حصراً هنا الآن، حيث الحياة ثم الشعر، لكنّهما متزامنان!، ليس من بدٍّ سوى الآتي:
لا شكّ في أنّ أبرز الحقائق السياقية الخارجية لحياتها، منذ العام 1929، أنّها زاملت داخل “دار المعلمين العالية - بغداد” أهمّ رواد حركة الشعر الحر العراقية: بدر شاكر السياب.
(يُقال إنّها “كانت تفخر بحبّ بدر شاكر السياب لها، وتجاهر بهذا الرأي كونه نظم العديد من قصائده فيها”!).
بيْد أنّ من أخطر الوقائع النصية الداخلية لشعرها، منذ بدايته الخمسينية، أنّه أخفق شكلا ومضمونا في الانفتاح على الحركة السيابية المحْدِثة.
(رغْم أن السياب “دعاها لزيارة قريته جيكور وبقيت في ضيافته ثلاثة أيام، كانا يخرجان معاً إلى بساتين قريته ويقرأ لها من شعره وهما في زورق صغير”!).
فعلى مستوى الشكل، أولا، ثمة هيمنة العمود العربي «التقليدي» حيث أوْهن تشكّلاته الصافية: المتقارب فعولن / غالبا.
وعلى مستوى المضمون، ثانيا، ثمة هيمنة الأداء النصي “الأضعف” حيث أيْسر تجلّياته الرائجة: أنثويّة الكتابة/ دائما.
هاتان الهيمنتان متواترتان في جميع دواوينها، الثمانية؟، بدءا من أوّلها: الزاوية الخالية/1959. ما شجّعها على الإمعان في مواتَرتهما كلتيهما، خصوصاً الثانية منهما، هو أنّ متناقدي الخمسينيات، جُلّهم، قد اعتبروا ديوانها الأول من أثمن الدواوين حينذاك. مع دواوينها اللاحقة به: عودة الربيع ـ أغاني عشتار ـ عراقية ـ يسمونه الحب ـ لو أنبأني العرّاف ـ البعد الأخير، ما بين العامين: 1962 ـ 1987، تابعَهم في ذلك التثمين متناقدو الستينيات ثم السبعينيات وصولاً إلى الثمانينيات.
بل إنّ عديدين منهم، وهُمْ كثيرون، وصفوها بـ”شهرزاد القرن العشرين” متغزّلين برقّتها وجمالها وأنوثتها.
(حتّى أنّ هنالك مقالاً بقلم امرأة، نعم!، عنوانه: لميعة عباس عمارة شاعرة الرقّة والجمال والأنوثة، ثلاثية خطيرة؟، تنقل فيه عن «جاك بيرك»، تحديداً، إشارته في أحد كتبه إلى أنّها ذات رقّة وجمال وأنوثة!).
كذلك ذهب بعضهم، بحسْب الوصف والتغزّل هذين، إلى القول بأنّ أنثوية الكتابة في شعرها محسوبةٌ لها! إذ يرون، في هذا الصدد، أنها استطاعت أن تخرج: من «ربقة اللغة الشعرية الذكورية» إلى «نظم الشعر بلغة مؤنثة»! ثم يزعمون أن استطاعتها هذه، بنظْم الشعر؟، تدلِّل على كونها «من أهم شاعرات عصر الحداثة»! كأنّهم جاهلون، ليسوا متجاهلين، بأنّ مجمل شعرها مجرَّد «كلام موزون مقفّى له معنى»:
منذ ديوانها الأول: الزاوية الخالية، بغداد، 1959 (ستبقى ستبقى شفاهي ظماء ... ويبقى بعيني هذا النداء / ولن يبرح الصدر هذا الحنين ... ولن يخرس اليأس كل الرجاء ـ ص9)
حتى ديوانها الأخير: قبل الـ2000، كاليفورنيا، 2001 (كلما أزهرت على البعد ليمونة ... كأن فتحت من جراحي / نسمات يا ليتها من بساتين بعقوبة ... سرت في الصباح ـ ص47)
* من محاولاتي لرفع الحصانة الأيقونيّة عن الرموز الشعريّة!