لقد اقتطعت الظروف التي مر بها العراق ربع العام الماضي بالتمام والكمال ؛ ولعل بإمكاننا القول أن العام الماضي انتهى قبل ثلاثة أشهر من نهايته التي يسجلها
التقويم الميلادي .
في الأول من تشرين الاول اندلعت أكبر تظاهرات شهدها العراق الحديث منذ تأسيسه قبل مئة عام ، ورافقت هذه التظاهرات أحداث دموية وحالات قنص وقتل وخطف ، وعلى الرغم من وعود الجهات المعنية الا أن الكشف عن الجناة مازال
قيد التسويف .
قطعت التظاهرات شوطا لا بأس به باتجاه أهدافها ، إلا أن بعض الذين يحاولون ركوب الموجة صاروا يلوحون من داخل المشهد السياسي بأنهم صوت الشعب ليوهموا الناس ويتحولوا من جهة الهدف ويدعوا أنهم صوت المتظاهرين ، بتهريج غير مسبوق وخطابات ارتجالية رنانة ، وبعضها مال للبذاءة حتى يستقطب الجمهور الجاهل ، ويسوق نفسه شجاعاً سيستطيع محاسبة المفسدين علناً .
انتهى العام الماضي قبل بدء العام الدراسي اذا استثنينا المدارس والجامعات الأهلية في بعض مدن بغداد فإن جميع محافظات الوسط والجنوب ومثلها العاصمة بغداد لم تبدأ عامها الدراسي الجديد ، ليبقى المشهد الدراسي أعرج ، يستأنف في بقية المحافظات وينعدم الدوام تماما في المحافظات التي
خرجت للتظاهر .
يقول المنادون بعدم استئناف العام الدراسي بأن الدوام يعد خيانة وعدم وفاء لدماء الشهداء!! وهو نداء عاطفي ملتبس ، فالشهيد استشهد لتستمر الحياة وتثمر ، ويرى بلده وشعبه بحال أفضل ، ولم يستشهد ليؤجل حياته ويحنط طموح أبناء جيله ، أسوة بأخوته الذين في بقية محافظات العراق ، حيث استمروا بالدوام ولم ينقطعوا ؛ فهل تخلى أبناء المحافظات التي لم تضرب عن الدوام ، هل تخلوا عن دماء الشهيد ؟ أم أنهم ينادون بالتضامن معه وعدم الدوام في صفحات التواصل الاجتماعي فقط ، ويستمرون في مدارسهم
وكلياتهم.
مر الاحتجاج العراقي بنوع من الانتقائية ، ورأينا في ساحة التحرير نوابا لم يتنازلوا عن رواتبهم التقاعدية يلتف حولهم الجمهور لأنهم نجوم كرة قدم وما الى ذلك ؛ بل تفاقم الوضع ووصل ذروته حين احتج متظاهرو الحشد الشعبي على استهداف القوات الأميركية لمقرات الحشد ، فانقسم الرأي العام ، أيضا ، وأخذ البعض يقارن
بين التظاهرتين ! .
انتهى عام 2019 بكل مافيه من اضطرابات ومآس ؛ نأمل أن يكون عام 2020 أقل وطأة على العراقيين ، وأن يعم السلام عموم البلاد ، وأن تنعم البلاد باستقرار سياسي يؤسس لإعادة الاعمار وازدهار كل أسباب الحياة في المدن التي تعرضت حياة أبنائها للتأجيل القسري .
نتمنى أن يتفق الساسة ويتوصلوا إلى حل ينتشل العراق من أزمته الحالية ومن ازمات جديدة قد أنجبتها عملية التأجيل والشلل التي اصابت مرافق الحياة في المحافظات المتظاهرة ؛ ونتمنى أن يعلو صوت العراق الواحد لا الأصوات الانتقائية التي لايهمها سوى غاياتها ومصالحها الضيقة.