النص والمنهج

ثقافة 2020/01/04
...

عبد الأمير خليل مراد 
من الواضح أن هناك تداخلا بين علم البلاغة والنظرية النقدية ، وخصوصا في  المناهج النقدية التي تتبنى تحليل النصوص الأدبية ، حيث ظهرت في الأدب العربي مناهج قديمة استطاعت أن ترسخ مفاهيم عديدة يمكن بوساطتها تقصي أبعاد النص الأدبي ، وبيان قيمته الإبداعية ، فابن رشيق ، والجرجاني ، وقدامة بن جعفر، وحازم القرطاجني ، وسواهم ممن انكبوا على قراءة تراث الأدب العربي في مختلف عصوره ، وكانوا من أساطين المدارس النقدية الرائدة ،
حيث أسسوا بفعل انحيازهم الى المدرسة الإسلوبية كمنهج نقدي فيما يسمى بعلم الأسلوب ، واتضح للدارس ان النصوص الأدبية لا تقرر من داخلها ، اذ يمكن تقرير مكانتها من خارجها ، حيث يستطيع الناقد الأدبي بفعل معطيات المنهج الموضوعي من تحديد دلالة النص، وتركيباته بالقرائن والأحداث التي استنطقها من خلال الصورة والرؤية
والمفردات .
ان تعدد المناهج النقدية حديثا متأت من تعدد زوايا النظر التي يسلكها منظرو الادب في تحديد القيمة الفنية والاعتبارية للأعمال الأدبية ، وان كانت هذه المناهج في الكثير من الأحيان لا تلتقي في آلياتها مع بواعث النص المدروس ، وفضاءاته المتعددة ، حيث يلجأ الباحث إلى قسر استنتاجاته
وفق المعايير التي توافق تلك الاستنتاجات ، فنراه يشرق ويغرب ولم يستطع الإمساك بما ذهب إليه النص الأدبي ،
إذ يبدو الاضطراب واضحا في تلمس جوهر الإبداع الأدبي ، باقتصار بعض المناهج على دراسة المبدع ذاته ، او دراسة النص دون منتجه ، ومنها ما يجمع بين الإثنين ، كما ان هناك مناهج تقوم على دراسة الشكل دون المضمون ، ومن ثم تأتي على المعنى ، وما يفضي إليه من دلالات
ومقاصد أدبية . 
ومن هنا ، فان لكل إبداع جديد رؤية جديدة وان الطريقة التي ينبغي ان نسلكها في فهم هذا النص هي بإنتاج المنهج النقدي من داخله ، 
حيث يكون للزمان والمكان تأثير مباشر على اختيار النص ، والتماس قدرته على تقنين الآليات التي يمكن بوساطتها فحصه ، وتحديد قيمته الفنية والإبداعية، فالنص يتقدم المنهج بوصفه تشكلا وجدانيا ، وأثرا لغويا ، وليس للمنهج الا الأدوات الإجرائية المحكومة بقوانين القراءة التي يلتقط من خلالها نقاد الأدب ما
يحيا أو يموت .