هيراركية مسابقات الجمال

ثقافة 2020/01/06
...

ابتهال بليبل
 
بدأ الإعلان عن فوز الباحثة في الكيمياء «كاميل شراير» على خمسين فتاة بلقب ملكة جمال الولايات المتحدة الأميركية عام 2020، وكأنه مراجعة لتاريخ الجمال ومقاييس أنوثة المرأة بواقعية الاعتراف الذي بلغه الجمال في ابتعاده عن الوعي الثقافي والمعرفة العلمية. 
شراير، لم تتجاوز (24 عاماً)، أظهرت قدراتها أثناء المسابقة من خلال عرض مسرحي بمواد كيميائية انفجرت على المنصة بألوان مختلفة أثناء شرح التجربة.
لم تكن «شراير» الأولى في تمثيلها لدور المرأة في المجتمع بعيداً عن مظهرها الخارجي ولا الأخيرة، فهناك صور كثيرة لعالمات وخبيرات ومتميزات أمام العدسات، مع ذلك، نجحت صورة ملكة الجمال فيما لم تنجح فيه غيرها -على الأقل - في أنها خلقت داخلنا كوناً مغايراً ومشاغباً للصورة النمطية التي اعتدنا سماعها عن «الجمال والذكاء، وأنهما لا يجتمعان في امرأة، فإما جميلة غبية، أو قبيحة ذكية». 
قد نفكّر في أن التأثير العلمي لصورة ملكة الجمال أصبح هنا لا ينفصل عن كونه إغواء لا يمثّل بشكلٍ ما الاهتمام بالملابس العارية لهذه المسابقات، لكن صورة «شراير» تجعلني أفكّر أيضاً في انتهاء ثيمة الجاذبية والإغواء إلى أنثوية الهيراركية بمثل هذه المسابقات التي اتهمت منذ ستينيات القرن الماضي بمعايير بعيدة عن عقل المرأة وكيانها وعلمها في العموم. 
إنني أتساءل هنا عن كيفية جعل صورة ملكة الجمال العالمة بالكيمياء أو بغيرها من التخصصات العلمية -فيما لو اتسع مداها- مرضيّة، بينما الهوس المجتمعي في انغلاقه معاند لوعي المرأة، وكأنّه وهن أنثوي، يستفز الفعل الذكوري عبر كيان مروّج للإغواء بطريقة ترتبط بانحدار الثقافة، رغم أنّها -الثقافة- غير مسؤولة على الإطلاق عن الأنوثة المفرطة التي تفقد البصيرة العقلانية. 
وأنا أشك في هذه العقلانية طالما أنها تجعل ملكة الجمال ذات قيمة محايدة ومعتمدة على أفعال أو تأثيرات تلسع العيون وتبتعد -عمداً- عن محاكاة الذات والخزين العلمي. 
نعود للمسابقة واستبعادها لنشاط ارتداء (البكيني) بوصفه شرطا للمنافسة واستبداله بالوعي العلمي. ولكن هذا ليس كافياً بالنسبة لمن يريد أن يضمن هوية الأشياء مقابل وظيفتها الطبيعية، ومن السخرية أن هذه الطبيعة تتسم بتنوع نفسي، وتعبر عن تطور ذاتي، لا مجتمعي، على الرغم من أن الطرح الأخير قد أعطى أهميّة كبيرة لما نسميه «عقل المرأة» كجزء من الإغواء الأنثوي في العصر الحديث، وتكون المرأة، هنا، مطالبة بأن تثبت قدرتها الثقافية والعلمية، وأنها قادرة على أن تحترم عقلها وتحبه «لا جسدها فقط». 
وهنا، يأتي التوتر في فعل الاغواء سواء كان منبثقاً من الجسد أو مطروحاً من العقل، فالمجتمع لا يمكنه بسهولة أن يزعزع ثقافته في غباء الجميلات ويهدد ذكاء القبيحات من النساء، ذلك أن عليه أن يميّز من يقوم بدور الجسد أو العقل. 
الأكثر من ذلك أنّه يوجد تقاطع أساس في مفهوم الجمال نفسه، هذا التقاطع يحدث من وعي المتلقي وثقافته، الذي قد يستطيع الاعتراف بقيمة المرأة، ولكنه لا يستطيع الاعتراف بوعيها، بوصفه أكثر من وعيه- وإن كان حقيقة- وهذا ما يجعله يهتم بالأصول الأنثوية للجسد فقط. 
في الوقت نفسه عليه أن يظل أكثر وعياً من المرأة – وأن كان افتراضياً- لأن ذلك هو ما يعطيه السلطة. إنني أفهم صورة ملكة الجمال الجديدة، ترتبط كلياً بحيز المرأة الداخلي ونظرتها لنفسها، لأنها قابلة للاختراق جسدياً لا عقلياً، وقد اجتازت موضة الجمال هذا النمط من المخترقات جسدياً رغم أنه لا يزال منتعشاً حتى الآن.