د. حسين القاصد
مرت هذا العام ذكرى تأسيس الجيش العراقي، من دون استعراض عسكري، بسبب تفاقم أزمات البلاد التي آخرها قصف القوات الأميركية لموقع من مواقع الحشد الشعبي في مدينة القائم؛ تلا ذلك الاعتداء الأميركي الآثم على واجهة السيادة العراقية، أعني مطار بغداد الدولي، ذلك الاعتداء الذي راح ضحيته واحد من أهم قادة المرحلة، أبو مهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي. ثم انشغل الساسة بالرد على هذا الاعتداء وكان الرد سياديا بامتياز، إذ صوّت مجلس النواب العراقي على إخراج القوات الأميركية من جميع الأراضي العراقية.
وقد كانت كل هذه الأحداث في وقت كنا ننتظر فيه الاحتفال بجيشنا الباسل وذكرى تأسيسه، وهو الجيش الذي تغنّى شعراء العراق ببطولاته وانتصاراته؛ وأقتبس هنا مقطعا من قصيدة شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري، وهو يحيي الجيش العراقي أيام الزعيم عبد الكريم قاسم، إذ يقول الجواهري
الخالد :
جيش العراق ولم أزل بك مؤمنا
وبأنّك الأمل المرجّى والمنى
وبأنَّ حلمك قد يطول به المدى
لكنَّ عزمكَ لن يحيقَ به الونى
جيش العراق إليك ألف تحيةٍ
تُستافُ كالزهر النديِّ وتُجتنى
حملَ الفراتُ بها إليك نخيلَهُ
ومشى بدجلة جرفها والمنحنى
نعم، يبقى الجيش هو الأمل المرجّى، ويبقى حارسا للعراق وثقافته وهويته الابداعية، ويبقى مبدعو العراق يتغنون بجيشهم؛ وينصرونه بكلماتهم المقاتلة التي تخلّد بطولات هذا الجيش وتحتفي بها كل عام. فلولا هذا التلاحم بين مثقفي البلاد الذين هم قادة الوعي المجتمعي ومؤسسو الرافد المعنوي لقواتنا المسلحة لما انتصر العراق على كل أشكال الظلام والتخلّف الصحراوي الداعشي؛ فالحرب ضد داعش لم تكن حربا عسكرية فحسب، بل كانت صراع ثقافتين، احداهما تؤسس للعلم والفكر والحياة النابضة، والأخرى تؤسس للموت والتخلّف والفكر الدموي المتوحّش؛ لذلك انبرى المثقفون للذود عن حياة العراقيين ووعيهم وساندوا جيشهم الأبي حتى تحرير العراق من هجمة التخلّف الداعشي.
فلا علم ولا ثقافة من دون جيش يحميها ويحرسها من غايات التخلّف؛ ولا جيش ينتصر من دون رافد ثقافي يسنده ويشدّ من أزره ويوثق انتصاراته العظيمة.
فكلُّ عام وجيشنا الباسل حارس لثقافة البلاد، وكلُّ عام والمثقف العراق مؤمن بجيشه وبقدرته على حماية البلاد من المتربّصين بها.