في محاولة للاجابة عن طبيعة التحولات التي طرأت على الفن ومرجعياته التاريخية والجمالية والنقدية، قدم ثلاثة دكاترة من المختصين بالفن التشكيلي مجموعة من الفرضيات الاساسية لهذا العمل بصدد قدرة الفن على احداث شغب وضوضاء وحوارات واراء بلا حدود لها. هذه المحاولة اسس لها الدكتور نجم حيدر والدكتور بلاسم محمد والدكتور زهير صاحب. وصدرت المحاولة بكتاب فخم يحمل عنوان "شغف الفن.. بين القبول والرفض" يقع في 370 صفحة من القطع الكبير، صادر عن دار الكتب العلمية للطباعة والنشر.
الكتاب يتماهى ويتعدد في القراءة مع تنوع اساليب الفن ومخرجاته. واقتضى ذلك من المؤلفين توزيع اهتمامات كل منهم بحسب مقاربة فكرية تقتضي الفصل والتمييز بين المؤثرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والمفهومية، وهو أمر غاية في التعقيد لاسيما ان الفن اخذ ابعادا جديدة وقديمة في آن واحد. وان أمثلة هذه الصعوبات سوف تجد صداها في قراءته، وفي العوائق التقنية وكيفية الصياغة التي جعلت الباحث ملزما باعادة ترتيب الاولويات والنظر في مناهجه بكيفية تسمح في الوقت نفسه بالمحافظة على الصرامة والدقة العلميتين.
الكتاب مقسم الى ثلاثة ابواب رئيسية: الاول، كتبه الدكتور زهير صاحب تحت عنوان دراسات في الفن تضمن تسعة أبحاث، هي قراءة في الحضارتين العراقية والمصرية. والسياق التاريخي لللحضارة العراقية.. والسياق التاريخي للحضارة المصرية. وضغوط البيئة الطبيعية في مصر والعراق. ومشهد البيئة الطبيعية في العراق ومصر. وحركة المعتقدات الدينية في بنية الحضارة العراقية. ومعتقدات الدينية في بنية الحضارية المصرية. وسلطة الملوك في المشهد الحضاري العراقي. وسلطة الملوك في المشهد الحضاري المصري.
أما الباب الثاني الذي كتبه الدكتور "نجم حيدر" فحمل عنوانا رئيسيا هو (دراسات في فلسفة الفن والجمال). وقد تضمن هذا الباب العديد من البحوث هي (كاظم حيدر المجرّب الاول، الفنون واشكالية الجمالي والتطبيقي، تقويض الثبات الجمالي من حيث اشاعة الغربة والعدم، بلاسم محمد والعبق المهجور، جدلية الانعكاس في الفن رؤية مادية جدلية، عبثية الفن في ايقونات راسخة، في تذوق الذائقية الجمالية، في متحولات التشكيل الفني الجمالي). ففي الفصل الذي يتناول فيه المنجز التشكيلي المعاصر، يقول: إنّ اهم تحول في الفكر الفلسفي والنقدي تجسد في نتاجات (كانت) لاسيما في كتابه (نقد العقل المحض) و (نقد العقل العملي)، اذ قدم فكرة اللحظات الاربع في وعي الجمال والجميل التي قسمها وفقا للكيف ووفقا للكم والضرورة والعمل بالغايات. وبهذه اللحظات يقسم "كانت" التذوق الجمالي والفني من حيث احكام تهيمن على العقل الانساني، فنون الاثر.
في حين بحث الدكتور بلاسم محمد في الباب المخصص له "دراسات في النقد الفني". وتناولها من خلال عدة ابحاث هي (التداولية وتسليع الفن، ومعرض محرقة الارهاب في الكرادة، وفن الا فن، وحركية الفن، والدليل والعلامة، وجغرافيا الفن، وسيميولوجيا اللعب، والخزف والتداول، والمدرسية في تصاميم الاعلان.
بخصوص التداولية وتسليع الفن يقول بلاسم:- الفن وزواله اثيرعندما استنفدت التقنية الفنية طاقاتها، وبدأت الاصول بالاهتزاز لصالح تطورات اخرى. لذا غادر الفن بعضا من جماليات التفرد ودخل في الحياة اليومية بوصفه سلعة او جزءا من عمليات التسليع. لذلك فان مدركاتنا لاتستطيع الوصول بنا الى انموذج يخرج من اطار وجوده الثقافي والتاريخي، ولا بدَّ أن تكون قابليتنا من الوصول تلقائيا الى تفسيرات ما لم يرسم او ينجز، مستندة الى بنى معرفية موجودة مسبقا تؤدي وظيفة معروفة ومألوفة من خبراتنا السابقة، التي نستعملها لتفسير تجارب جديدة. ويوضح الباحث:- في المعارض التي تقوم على فن الفرجة او فنون الاثر، يسعى موضوع السياق التاريخي الصالح الى بنى اخرى تفرضها قوانين التداول والتلقي الجديد. وعندها سنجد الضوء يحل ضيفا على المادة والاثر الزائل محل الاثر الثابت. ومما لا مناص منه هو ان بنى معرفتنا المرجعية ومخططاتنا لفهم الفن ستتحد ثقافيا. وعندما نطور مخططاتنا الثقافية في سياق غير سياق تجاربنا السائدة. كما قدم د.بلاسم امثلة كثيرة من التغييرات في حياتنا وحللها فنيا بطريقة محدثة.