إنَّ الأدب يذهب بعيداً في التصدي للمشكلات الاجتماعية ويتركز اهتمامه حول الكائن البشري، وهذا البحث عن اجوبة للمشكلات الانسانية هو الذي يوحد بين فروع الادب ومدارسه المختلفة التي تكشف الصراعات الجديدة الناشئة عن عملية بناء المجتمع الجديد وتستقصيها في ضوء حاجات الشخصية الانسانية، وبهذا المعنى فإنّ الادب يعالج قيماً ذات مغزى عالمي وهو حليف الادباء الذين يوجهون جهودهم الى خدمة جمهور القراء الواسع في كل مكان ونصير القيم الجمالية العالية، وفي هذه الحالة فالمبدعون يكرسون جهوداً كبيرة لدراسة الطبيعة البشرية وهم يهتمون بالسؤال الذي طرحه دستويفسكي منذ زمن طويل: هل الانسان بطبيعته حامل للشر؟ وهذه المشكلة يعالجها الكاتب القرغيزي (جنكيز ايتما توف) في روايته الرائعة (السفينة البيضاء)، فالصبي الذي يمثل الشخصية القائدة يجد ان وحشية الكبار التي حطمت مفهومه للجمال والخير اكبر من ان يحتملها فلا يستطيع البقاء في عالم اضطربت فيه مفاهيم الخير والجمال، ولكن من أين يأتي دافع الشر؟: لا يجيب المؤلف عن هذا السؤال لكنه يعتقد كما نعتقد نحن ان الفرد في الحقيقة مسؤول عن اعماله الخاصة وواجب المجتمع ان يساعده على التحسس بمستلزمات القواعد الاخلاقية للمجتمع وعلى غرس الصفات الخلقية الايجابية الطيبة فيه، وهذا هدف ذو مغزى كبير، ولا تقل عن ذاك اهمية البحث عن وسائل جديدة للتعبير الفني، وفي الوقت الحاضر هناك ثلاثة تيارات في الاسلوب تفصح عن نفسها في الادب: الاول يصور العالم والانسان تصويراً واقعياً والثاني يتبع اسلوباً عاطفياً في النظر الى الحياة والثالث يعتمد على التصوير الرمزي المجازي، وكثيراً ما يحدث النقاش بين الكتاب والنقاد الذين ينتهجون هذا الاتجاه او ذاك.
إنّ الانسانية تدخل اليوم في مرحلة جديدة في تطورها وهي مرحلة تتصف بالخطوات الفعّالة تجاه التعايش السلمي، وهذا يمنح فرصاً جديدة للحوار بين الشعوب والثقافات وللنقاش حول مزايا الانظمة الجمالية والفكرية المتعددة في اداب العالم الحديث، وسيكون المستقبل المضيء للفن والابداع والفكر الذي يلبي اهتمامات الانسان وحريته، آماله وآلامه ومما تحمله المثل الانسانية العليا، اما ادبنا العربي والعراقي تحديداً فمليء بشواهد ابداعية كثيرة تحمل هذه المفاهيم، وها هو يخترق الحواجز العالمية ليستقر امام الفكر الانساني العالمي وهو يحمل ثمار الابداع من رواية وقصة وشعر ومسرحية ترجمها اناس أحبوا العرب والشرق من مستشرقين ومحبّين للاداب العربية اخذت مكانها اللائق في نفوس العالم الغربي ومكتباته، فقد ترجمت اغلب اعمال نجيب محفوظ وجمال الغيطاني وعبد الرحمن منيف والربيعي وفؤاد التكرلي وغيرهم من الكتاب العرب والعراقيين.. والذي يأتي سيكون اكثر واجمل بالتأكيد ....