يعقوب يوسف جبر
في خضم الأحداث المتتالية في العراق وما أفرزته من تداعيات متعددة الأبعاد، يبرز إلى الواجهة ملف الاحتجاجات ومشروعية الحقوق التي يطالب باستيفائها المحتجون، إذ لا يمكن نكران هذه الحقوق بوصفها حقوقا دستورية عجزت حكومات النظام السياسي الجديد عن توفير آليات لخطط اقتصادية للاستجابة، لكن ما هي الأسباب التي تقف وراء هذا
العجز؟
من أبرز هذه الأسباب عدم تبني سياسة ستراتيجية وطنية اقتصادية بناءة مستقلة واضحة المعالم؛ لا تتأثر بالصراع الاقتصادي والسياسي الإقليمي والدولي، بل على العكس تماما تبنت الحكومات المتعاقبة سياسة داخلية متأثرة بالأجندات الخارجية الإقليمية والدولية، اذ أن هنالك محورين دوليين إقليميين يتنازعان بينهما فكل منهما يسعى لبسط نفوذه وهيمنته الاقتصادية، وبدون شك أن بسط هذا النفوذ يبدأ من خلال نافذة السياسة والاستقطاب السياسي؛ يتنافس في ظله اتجاهان متضادان مما أدى إلى نشوب صراعات داخلية تدرجت لتصل إلى مرحلة خطيرة تجسدت في مظهر الاحتجاجات لكن هل اقترب الصراع الداخلي المتصاعد من مرحلة الذروة؟
يتناقض المراقبون والمحللون للشأن العراقي في قراءة المشهد المستقبلي، فكل منهم يقرؤه ويتنبّأ بملامحه منطلقا من انتمائه السياسي وهؤلاء ينقسمون إلى فريقين متخاصمين، لكنْ هناك مراقبون ومحللون يلتزمون جانب الحياد في قراءتهم، وهذا الاتجاه في التحليل هو الأجدر بالمتابعة والعناية من قبل الرأي العام المتوازن
، لذلك ينصح اصحاب هذا الاتجاه الفرقاء السياسيين باتخاذ خارطة طريق متوازنة تفضي إلى حل سياسي وطني يوفق بين الاتجاهين السياسيين المتضادين، فلا سبيل للخروج من الأزمة السياسية الحالية الخانقة إلا باتباع هذا النهج، وإلّا فإنّ البلد سيظل غارقا في فوضى التوترات والصدامات التي تضعفه سياسيا واقتصاديا
وأمنيا.
لكن ما هي الكيفية السياسية المناسبة للخروج من هذه الأزمة؟ إنّ البداية تتمثل في إعادة الثقة بين الرأي العام المحتج من جهة ومن يهيمنون على النظام السياسي (الكتل السياسية) من جهة أخرى، فلا بدّ أن تغلّب هذه الكتل السياسية المصلحة الوطنية على المصالح الإقليمية والدولية، لكي يتحقق الانفراج السياسي، ولا بدّ أن تلعب الكتل السياسية دورا فاعلا وسيطا بين المتنازعين الدوليين الإقليميين، فإذا نجحت في هذا الدور فلن يكون الحل السياسي الداخلي
مستعصيا.
حينئذ يمكن بلورة حل وطني سياسي متوازن، ولا بأس مطلقا في أن يلعب البرلمان وحكومة السيد عادل عبد المهدي هذا الدور الفاعل بدلا من اللجوء إلى حلول سياسية أخرى تتطلب وقتا وجهدا مضاعفا سيدفع البلد بسببها المزيد من الأثمان الباهظة.
هل يمكن للسيد عادل عبد المهدي ورغم أنّ حكومته حكومة تصريف أعمال أن يلعب هذا الدور في تقريب وجهات النظر بين الطرفين الدوليين الإقليميين المتنازعين؟
لو نجح في هذا المسعى فيقينا أن ذلك سينعكس ايجابيا على البيت الوطني الداخلي، حينئذ يمكن للحكومة الحالية البدء بتدشين مرحلة سياسية جديدة، تتضمن تفعيل ملفات الإعمار والبناء ليكون ذلك بداية الاستجابة لمطالب الجماهير
المحتجة.
ولا سبيل إلى الحل السياسي المتوازن في العراق في الوقت الراهن إلّا باللجوء إلى الحل الوسط الذي يبدأ من ترطيب الأجواء الدولية والإقليمية بلعب دور الوسيط من قبل حكومة السيد عادل عبد المهدي وبدعم من البرلمان، أما انتظار الأحداث المتسارعة لتفرز إفرازاتها بشكل عفوي وتلقائي دون تدخل سياسي معتدل متوازن فمعنى ذلك المزيد من الانتكاسات السياسية والأمنية.