ردم مستنقع الأمّية

آراء 2020/01/20
...

          نجم بحري 
 
نشأت فكرة التعليم المستمر من النظرة الواقعية التي توصلت لها الإنسانية لطبيعة العلوم التي تملكها، وخرجت باستنتاج مهم: إن هذه العلوم والمعارف قاصرة عن الكمال، وإن الحاجة ملحّة في السعي بالاستزادة الدائمة المستمرة من التعلم والتطور الحديث .
يقال إن بداية القرن الماضي شهدت مؤتمرا علميا أجمع المشاركون فيه بأنه لم يتبق للانسانية الكثير لتعرفة، كانت غطرسة في العلم والمعارف تسوغها القيود الاجتماعية والنفسية التي تمارسها المؤسسات الحاكمة بأشكالها المتنوعة على العقل الإنساني المجرد حتى بات لا يعرض الحياة إلّا أسيرا لها. إلّا أن المستجدات والتطورات والتغيرات الهائلة التي حدثت للبشرية في القرن الماضي أطلقت الأفكار لتتحول الى مخترعات وأدوات وقوانين جديدة غيرت من الحياة الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والصناعية والسياسية. 
فعلى الرغم من أن العالم الآن يمتلك القدرة على التغيير، إلّا أنه تعلم درسا بليغا وهو ألّا يتعالى بما يحمله حاليا من معرفة وتطور لأنها حتما ستتعرض للنقد والتغيير والتبديل وحتى الرفض. يقول الفيلسوف: لا نزال فقراء المعرفة، وإذا كان المجتمع العلمي في الدول المتقدمة والمتطورة قد أدرك أهمية التواضع المعرفي للاستمرار في العطاء العلمي لكي لا يصاب بالجمود فقد آن الآوان أن يكون للتعليم المستمر في بلدنا المكانة المناسبة في مفاهيمنا التربوية والسلوكية والتاريخية والاجتماعية كذلك، لنتخلص من قيم الاستعلاء والجهل ومظاهر التخلف والسعي الى القضاء على ظاهرة (الأمية العمياء). 
نعم، إنها دعوة للتواضع في العلم والمعرفة والبدء معا للاستزادة من ادخال المعارف والعلوم التي تتناسب مع طبيعة حياتنا ونهوضنا التي تتلاقح وتتلاحق بسرعة لا تسمح بالتلكؤ في اتخاذ القرار السليم والصحيح في الالتحاق بركب العلم والتقنية الذي كاد يرحل عنا الى الأبد بسبب سوء الادارة وفقدان الحرص الوطني السليم وتبعثر الآراء والاجتهادات العنصرية والطائفية في مسالك مناهج 
الدراسة. 
إن التعليم المستمر من الناحية العلمية يتضمن التواصل مع المؤسسات ذات البحث العلمي التربوي والاتصال المستمر بالمراكز العالمية للتعرف على المستجدات والتغيرات المتطورة الجارية وهو أمر يقبله المجتمع ظاهريا ومقبولا لأنه يحمل الرسالة الأهم وهي مفهوم العمل والأداء الموجه بالأدلة، وهذه الرسالة تحتاج متطلباتها الى سياسة إدارية كفوءة ووفية لخير الانسان وبعيدة عن الطائفية ومخلفاتها والاثنية العمياء ليؤدي التعليم المستمر دوره الحقيقي في مسار التطور والنهوض مع توفر سبل ووسائل متطلبات المناهج التي تواكب تطورات العالم المهنية لخلق مجتمع واع مما سيسهم في ردم مستنقع الامية والجهل والتخلف. أملنا وطيد في أن تسعى الدولة لتحقيق ما يطمح اليه الطلبة كافة.