الكلمة التي مُنعت!

آراء 2020/01/29
...

جواد علي كسّار
 

أقصد بذلك كلمة الرئيس الإيراني حسن روحاني، والمنع هو قرار التلفزيون الرسمي منع نقل كلمة الرئيس عن طريق البث المباشر. القصة باختصار؛ أن تنسيقاً حصل بين مكتب الرئيس ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، بنقل كلمة روحاني بالبث المباشر، وهي الكلمة التي ألقاها فعلاً صباح الاثنين الماضي، في ملتقى من أهم ملتقيات إيران، هو اجتماع دوري لمحافظي محافظات إيران وقائممقاميها، تمهيداً للانتخابات البرلمانية المرتقبة في الحادي والعشرين من شهر شباط القادم.
لقد أثار امتناع التلفزيون الرسمي عن نقل كلمة الرئيس، حلقة جديدة في السجال المحتدم بين التيارات السياسية الداخلية، على مشارف الدورة الحادية عشرة من الانتخابات البرلمانية. وقد يستغرب الكثيرون خاصّة في العالم العربي، منع التلفزيون الإيراني الرسمي نقل كلمة الرئيس، لكن هذا ما وقع فعلاً، ولهذا الموقف خلفيته في العلاقة المتأزّمة أساساً بين الرئيس روحاني وحكومته ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون، لاسيما خلال السنوات الأخيرة. من ذلك مثلاً ردّ الفعل العنيف لسكرتير مكتب الرئيس لشؤون العلاقات والإعلام علي رضا معزي، الذي ذكر أنه بينما كان الرئيس يلقي كلمته أمام المحافظين والقائممقامين: «امتنعت مؤسسة الإذاعة والتلفزيون عن بث الكلمة رغم التنسيق السابق معها». لكن الأسوأ من ذلك أن جميع المعنيين في التلفزيون الرسمي قفلوا هواتفهم، ولم يجب أحد منهم على محاولات مكتب الرئيس التواصل معهم، حيث يضيف معزي: «لقد باءت بالفشل جميع محاولات الاتصال بالمدراء المعنيين، ولم يكن هناك من هو مستعد للجواب»! لقد جاء موقف التلفزيون الإيراني الرسمي في مقاطعة كلمة روحاني، امتداداً لمسار متأزّم على الدوام بين الرئاسة ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون، يعيد إلى الأذهان النقد الذي كان يوجهه الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني (في الرئاسة: 1989 ـ 1997م) إلى المؤسسة متهماً أداءها بعدم التوازن، وكذلك فعل خَلَفه محمد خاتمي (في الرئاسة: 1997ـ 2005م) الذي كان يشدّد على ضرورة أن يُغطي التلفزيون نشاطات حكومته، بصفته مؤسسة الإعلام الوطنية الرسمية الوحيدة في البلد، يُنفق عليها من المال العام، وحين آلت الرئاسة إلى محمود أحمدي نجاد (في الرئاسة: 2005 ـ 2013م) صعّد من وتيرة نقده لهذه المؤسسة، خاصّة في دورته الرئاسية الثانية، متهماً إيّاها بالانحياز إلى خصومه وناقديه، وها هي الكرّة تعود الآن مع روحاني الذي تبوأ الرئاسة منذ عام 2013م.
الدكتور محمود واعظي الدبلوماسي والوزير الأسبق ورئيس مكتب الرئيس روحاني الآن، يلقي أضواء مكثّفة على الأزمة، ويغور في بعض أبعادها تفكيكاً وتحليلاً، في لقاء مهم ومطوّل عقده مع وسائل الإعلام في طهران، يوم الأربعاء الماضي (22 كانون الثاني) اتهم خلاله المؤسسة التلفزيونية صراحة بممارسة الحجب والتحيّز معاً، بقوله: «لا تعكس الإذاعة والتلفزيون بعض الأمور، وتقول إن ذلك ليس فيه مصلحة، أو أنها تُسقط استنتاجاتها الخاصّة على الأمور التي يتناولها رئيس الجمهورية والوزراء، تعكس رؤيتها هي، من خلال ما تكتبه في الشريط الإخباري، بحيث قلنا مرّات وحذّرنا المؤسسة، بأن شريطكم الخبري يتغاير بالكامل مع المادة التصويرية».
لقد طالب واعظي التلفزيون الرسمي بالتوازن والحياد في التغطية، وقال: «ما نريده من هذه المؤسسة ليس أمراً كثيراً، بل أن تبادر إلى تغطية نشاط رئيس الجمهورية وأعضاء حكومته، بدون تمييز، وأن تعرضه كما هو وبلا تصرّف فيه». في سياق عرضه للأزمة ذكر مدير مكتب روحاني، أن التلفزيون الرسمي هو مؤسسة إعلامية وطنية ترتبط بالناس كافة وبالبلد كلّه، ومن ثمّ لا ينبغي أن تُدار من قبل مجموعة خاصّة أو بأسلوب ينحاز إلى جناح خاصّ. فكما يخصّص التلفزيون حصة خبرية لبقية المؤسسات، ينبغي أن يفعل الشيء نفسه للحكومة، وإلّا من غير المعقول أن يمضي وزيرنا يومين في مناطق السيل بمدينة هرمزكان، ولا يبثّ له التلفزيون غير عشر ثوانٍ فقط، على حين يخصّص دقيقتين لآخر كان يوزع الطعام فقط!. في بعد آخر من هذه العلاقة المتوتّرة بين الطرفين، أوضح د. واعظي أن ليس لهم كرئاسة مشكلة مع هذه المؤسسة وما تبذله من جهود في مختلف أرجاء إيران، بل تنحصر المشكلة مع مجموعة صغيرة جداً من العناصر السياسية، التي هيمنت خلال السنوات الأخيرة على بعض المواقع الرئيسة (المفتاحية بحسب تعبيره) في هذه المؤسسة، وتوهّمت أن عليها التصرّف واتخاذ القرارات، على وفق تفكيرها الخاص وانتمائها الحزبي!.
الغريب في هذه الأزمة التي أشعلت خلافاً حادّاً في الأوساط الإيرانية الرسمية والشعبية والتواصلية لم يهدأ بعد، هو صمت الإذاعة والتلفزيون، التي راحت تتصرف وكأن الأمر يجري في بلد آخر، ولا يمتّ لها بصلة!.