حيدر زهير
لا شك أن القرار الإداري هو الأداة القانونية الأهم التي تملكها الإدارة في سبيل تنفيذ سياستها ، وفرض إرادتها ، وتحقيق ما تبغيه من غايات ، كما أن القرار الإداري لا يُنشِئ حالة قانونية الا إذا اكتملت اركانه وسَلُمت ، ومن هذه الأركان هو ركن "السبب" وقد خَلُصَ القضاء والفقه الاداريّيَن إلى أن "السبب" هو الحالة الواقعية او القانونية التي دعت الإدارة إلى التدخل بقصد إحداث أثر قانوني ، ومن خلال المفهوم أعلاه يتضح ان " السبب" هو الحالة القانونية التي كانت موجودة ابتداءً قبل صدور القرار الإداري والتي لولاها لما صدر هذا الأخير و وُجِد وكنت قبل إعدادي هذا المقال اعتقد خطأ ان" السبب "في القرار الإداري هو الباعث الدافع الذي يدفع الإدارة لإتخاذه ، إلا أن الأمر بدا غير ذلك تماماً ، لأن الإدارة ليست شخصاً عادياً ليكون لها باعثٌ أو دافع يمكن تحديد قصدها من خلاله ، والصحيح هو البحث عن الوقائع المادية والظروف التي دفعت الإدارة للتصرف .
وقد حدد الفقه الإداري أربعة شروط قانونية يجب توفرها ليكون " السبب" سالماً وهذه الشروط بإيجاز هي الوجود إبتداءً والمشروعية وان يكون حقيقياً مُحددا .
إن تخلف احد هذه الشروط يجعل سبب القرار الإداري مشوباً، وبالتالي سيكون هذا الاخير عرضةً للطعن ومهدداً بالبطلان . ويقع عبء إثبات عيب السبب على من يدّعي وجوده ، لأن الإدارة غير مُلزمة بذكر السبب عند إصدار القرار الإداري الا اذا أوجب عليها القانون ذلك ، وجدير بالذكر. ان هناك اختلافاً بيّناً بين السبب في القرار وبين تسبيبه ويمكن القول ان السبب هو الحالة القانونية الأصيلة بعيدة المدى التي دعت الإدارة للتدخل بقصد أحداث الأثر بغية مراعاة المصلحة العامة اما التسبيب فيكون لبيان القصد المباشر من وراء اصدار القرار ، ففي القرار الإداري الذي يقضي مثلا بسحب العمل من شركة مقاولات يكون السبب في هذا القرار هو مراعاة النفع العام والمصلحة العامة وضمان استمرار المرفق العام وهو هنا سبب مشروع وموجود ابتداءً وحقيقي ومحدد ، أما تسبيب هذا القرار فيكون بداعي عدم التزام الشركة بالشروط المتفق عليها مثلا او لتلكئها بإنجاز أعمالها .
و للقضاء الإداري سلطة الرقابة العامة تحديد ما اذا كان القرار الإداري مشوبا بعيب السبب ، وتمتد سلطة القضاء إلى تحديد التناسب بين السبب ومضمون القرار وسيقضي ببطلان القرار اذا ما اختل هذا التناسب او إنعدم ، وهذا ما ذهبت اليه محمكة القضاء الإداري المصري في قرارها في الدعوى المرقمة (38) والمتخذة في تاريخ 21/ 6/ 2005 حيث قضت " يجب لصحة القرار ان يقوم على وقائع صحيحة و مستفادة من مصادر ثابتة ومؤدية إلى النتيجة التي انتهى إليها ، و الا كان منطويا على مخالفة
القانون " يتضح مما تقدم ان ركن " السبب" هو عماد القرار الإداري وروحه ويتوجب على الإدارة اذا ما أدارت لقرارها قوةً ونفاذاً ان تلتزم بالشروط التي وضعت له لأن الأثر الذي سيترتب على وجود عيب السبب هو إمكانية إلغاء القرار والحكم ببطلانه.