جريمة الإضرار بالمال العام في التشريع العراقي

العراق 2020/02/03
...

 القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي 
 تعد الوظيفة العامة الدعامة الكبرى التي يقوم عليها بناء الدولة ولا بد ان يكون الموظف العام من الأمناء على المصلحة العامة وإليهم يعود الفضل في صلاح أجهزة الدولة اذا أدوا واجبهم على وجه حسن و بدقة و حرص  حيث يعتبر الموظف الحكومي قلب الدولة النابض وعقلها المدبر تسمو و ترتفع بسموهم و لكن قد يرتكب الموظف العام  و حيث ان الجريمة تمثل سلوكا إنسانيا من شأنه ان يهدد المجتمع في تعكير أمنه و سلامته و يعرض مصالحه للانتهاك كجريمة الإهمال الجسيم التي تؤدي إلى إلحاق الضرر بالوظيفة العامة وأموال الدولة
    و قد يكون هذا الضرر ناشئا عن تعمد أو يكون ناشئا عن الإهمال الجسيم أو الإخلال بواجبات الوظيفة العامة أو إساءة استعمال السلطة لذلك وجد المشرع العراقي في قانون العقوبات العراقي تجريم تلك الأفعال التي تؤدي إلى إلحاق الضرر بالمال العام وفقا لاحكام المادتين (341 ،340) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل فالضرر العمدي يشكل جناية وفقا لاحكام المادة (340 ) والتي نصت على : (يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو بالحبس كل موظف أو مكلف بخدمة عامة احدث ضررا  عمدا بأموال أو مصالح الجهة التي يعمل فيها أو يتصل بحكم وظيفته أو بأموال الأشخاص المعهود بها
 اليه). 
وان هذه الجريمة هي من صور إخلال الموظف بواجباته الوظيفية و إتيان الموظف بسلوك يؤدي الى إلحاق الضرر بأموال الدولة سواء كان ذلك السلوك إيجابيا ام سلبيا مثل هدر المال العام أو قيامه بتصرف يؤدي إلى إهدار المال العام كالتعاقد خلافا للضوابط أو قد يكون السلوك سلبيا كامتناع الموظف العام عمدا عن اتخاذ إجراء يترتب عليه ضرر معين للدولة كامتناع الممثل القانوني بمتابعة الدعاوى الخاصة بأموال الدولة أو يمتنع مهندس عن تسليم عقارات من مقاول وفقا للمواصفات المتعاقد عليها والضرر هو النتيجة غير المشروعة التي تنجم عن سلوك الموظف المخالف للقانون و لا يكفي لقيام جريمة الإضرار بالمال العام ان يكون هناك سلوك إجرامي أتاه الموظف العام ونتيجة غير مشروعة ترتبت عليه بل يجب إضافة إلى ما ذكر ان تكون هناك رابطة سببية بين ذلك السلوك والنتيجة الحاصلة وان جريمة الإضرار عمدا من الجرائم التي تتطلب توفر القصد الجنائي و هذا القصد يتطلب توافر العلم و الإرادة لدى الموظف الجاني و ان الإضرار قد تكون غير عمدية وهذا ما نصت عليه المادة (341 ) من قانون العقوبات  : (  يعاقب بالحبس كل موظف أو مكلف بخدمة عامة نسبب بخطئه الجسيم في إلحاق ضرر بأموال ومصالح الجهة التي يعمل بها أو يتصل بها بحكم وظيفته أو بأموال أو مصالح الأشخاص المعهود بها اليه ان كان ذلك ناشئا عن إهمال جسيم بأداء وظيفته أو عن إساءة استعمال السلطة أو عن إخلال جسيم بواجبات وظيفته )  حيث تعد جريمة الإضرار غير العمد من جرائم الخطأ التي يرتكبها الموظف إثناء الوظيفة فهي جريمة غير عمدية حدد المشرع العراقي صورها و هي الإهمال الجسيم في أداء الوظيفة و إساءة استعمال الوظيفة و الإخلال الجسيم بواجبات الوظيفة العامة و يقصد بالإهمال هو تراخي الموظف أو المكلف بخدمة عامة في القيام بالواجبات التي تفرضها عليه طبيعة وظيفته على الوجه المقرر قانونا نتيجة التهاون و التقاعس و إغفال القواعد القانونية أو الفنية التي كان ينبغي التزامها كي يؤدي عمله الوظيفي و لا يشترط ان يقع الإهمال الجسيم بفعل واحد بل قد يتحقق بأفعال متعددة إيجابية أو سلبية
 متلاحقة.
إما إساءة استعمال الوظيفة عندما يبتغي الموظف بممارسة اختصاصه تحقيق غاية تختلف عن تلك التي حددها القانون للإعمال الداخلة في هذا الاختصاص مما يؤدي إلى إهدار المال العام و ترهل الجهاز الإداري و تضخمه و ضعف الأداء العام،  إما الإخلال الجسيم بواجبات الوظيفة و تتسم هذه الصورة من حيث طبيعتها بأنها ذات نطاق واسع بحيث تكاد تشمل جميع صور السلوك الإجرامي المنصوص عليها في المادة (341 ) من قانون العقوبات و يحب على الموظف ان ينأى بنفسه عن مواطن الشكوك في وظيفته و حمايته مما يثور حوله من شبهات استغلال الوظيفة صونا لسمعته و سمعة الوظيفة العامة ذاتها كما يجب ان يسلك في تصرفاته مسلكا يتفق والاحترام الواجب و هذا الالتزام يفرض عليه الابتعاد عن مواطن الفساد و الرذيلة و كل ما يبعث  على الشك و الريبة و يشترط لتطبيق احكام المادة (341 ) من قانون العقوبات ان يصيب الضرر مادة أو مصلحة مالية لجهة من الجهات المحددة قانونا إذ قد يتسبب الإهمال الجسيم لأحد المنتسبين في تعطيل إحدى الآلات أو حدوث انفجار في المعمل مما يؤدي إلى إضرار جسيمة كما يعد من قبيل الإضرار بمصلحة الجهة التي يتصل بها بحكم وظيفته ان يتسبب في تلف أو فقدان أو سرقة أوراق مهمة لهذة الجهة أو إفشاء إسرار المناقصة لأحد المتقدمين للعطاءات أو عدم تحصيل الضرائب إما بالنسبة لأموال الأشخاص أو مصالحهم المعهود بها إلى الجهة الحكومية و تشمل كل ما سلم إليها بحكم عملها مثال الإهمال الجسيم الذي يقع فيه موظف السكك الحديدية في تسير القطارات مما يؤدي إلى الإضرار الجسيم بالركاب أو اذا تسبب سائق سيارة حكومية في دهس احد الإفراد خطأ من دون الإخلال بمساءلته وفقا لاحكام قانون المرور و قد اعتبر المشرع العراقي جريمة الإضرار غير العمدي جنحة حيث يحال مرتكبها على محكمة الجنح بينما جريمة الإضرار العمدي من الجنايات التي يحال مرتكبها على محكمة الجنايات و ان الضرورة تقتضي إعادة النظر بأحكام المادة (340) من قانون العقوبات لاسيما و عدم شمولها بقانون العفو العام لما تلحقه من إضرار جسيمة بالمال العام  لان شمول مرتكبي هذه الجرائم بالعفو العام  لا يتفق مع قصد المشرع في مكافحة الفساد حيث ان ذلك يشكل رادعا لمن تسول له نفسه ارتكاب هذه الجرائم الخطرة و نجد من الضروري متابعة صرف أبواب الموازنة العامة و آلية صرفها وخصوصا نفقات المشاريع و العقود الحكومية و ان هناك صورا اخرى للاضرار بالمال العام عمدا و من أهم تلك الصور جريمة تخريب المال العام من قبل الموظف العام وجريمة الاخلال بتنفيذ العقود الحكومية و هي اكثر الصور شيوعا في الواقع العملي ومن اكثر صور الفساد الإداري و المالي مما يقتضي من المشرع العراقي تنظيم هاتين الجريمتين و تشديد العقوبة فيها و نجد من الضروري ان تكون هناك حملة للتعريف بحرمة المال العام وفقا لاحكام الدستور العراقي و ان المال العام هو حق لجميع إفراد الشعب و تفعيل وسائل الرقابة الحقيقية للمحافظة على المال العام و إعادة النظر في قانون التضمين النافذ لا سيما في مجال تقدير جسامة الضرر الذي تتعرض له أموال الدولة وتطوير برامج إصلاح و تدريب الموظفين واستخدام وسائل الرقابة و استخدام التقنيات الحديثة و تكنولوجيا المعلومات و تطوير أساليب العمل بعيدا عن الروتين و تفعيل دور ديوان الرقابة المالية في بيان حالات الضرر الجسيم التي تلحق بأموال الدولة.