الضوء الأصفر

العراق 2020/02/10
...

محمد عبد الجبار الشبوط
 
جاءَ تكليف الوزير السابق محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة الجديدة في ظرف سياسي بالغ التعقيد والصعوبة، ومن معالم صعوبة هذا الظرف، انهيار الثقة بين النظام السياسي القائم وشريحة المواطنين المتظاهرين، احتجاجا على الفساد وسوء الاوضاع.
في الحالات الاعتيادية، يعد رئيس الوزراء المكلف ناجحا اذا استطاعت حكومته نيل الاغلبية المطلقة لعدد اعضاء مجلس النواب، حيث سوف تعطيها هذه الثقةُ الشرعيةَ التمثيلية او الدستورية، ويبدو ان هذه الثقة مضمونة، لان التكليف، حتى وان جاء خلافا للسياق الدستوري،  ما كان له ان يحصل  لو لم يضمن رئيس الجمهورية  مسبقا امكانية الحصول عليها، فقد جاء التكليف بناء على «توافق» سياسي تم وراء الكواليس تضمن  رضا الاطراف المحلية والاقليمية والدولية المعنية بالشأن العراقي عن شخص محمد علاوي. 
وهذا هو رضا الخاصة.
لكن في ظرفنا الراهن، وسواء رضي رئيس الوزراء المكلف بذلك ام لم يرض، فان عليه ان يضمن رضا شريحة المواطنين المتظاهرين عنه، بغض النظر عن نسبتهم التمثيلية، فقد اصبح المتظاهرون قوة مؤثرة في القرار السياسي العراقي، بعد ان تمكنوا من فرض انفسهم على الشارع،  وهذا ما اشارت اليه المرجعية الدينية في خطبة السابع من شهر شباط الحالي حيث قالت: «إن الحكومة الجديدة التي تحل محل الحكومة المستقيلة يجب أن تكون جديرة بثقة الشعب». وهذا شرط جديد يضاف الى شرط الثقة البرلمانية، وهو يمثل رضا العامة ما يوحي بأن الثقة البرلمانية لم تعد كافية لاضفاء الشرعية على الحكومة. ولعل المرجعية استحضرت في هذا الشأن كلمة الامام علي التي جاءت في كتابه الى مالك الاشتر حيث قال:  «فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَا الْخَاصَّةِ وَإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَا الْعَامَّةِ». ومن حق المتابع ان يسأل: ما المقصود بالشعب؟ وسيكون الجواب في الظروف الاعتيادية انه شريحة المواطنين الذين وصلوا الى السن القانونية التي تتيح لهم الادلاء باصواتهم في الانتخابات. لكن لا يبدو ان هذا هو ما ترمي اليه المرجعية، لأنه يتطلب اجراء استفتاء عام، ولا  يعني موافقة البرلمان، لأن هذا امر مفروغ منه ولا حاجة الى  التأكيد عليه،  ويبقى عندنا رضا المتظاهرين وهذا هو الاقرب 
الى المقصود.
لكن المتظاهرين لم يوحدوا كلمتهم بصدد  تسمية رئيس الوزراء. ففيهم من يقول ان هذا ليس من وظيفة المتظاهرين، وبعضهم اعلن الرفض المسبق لكل مرشحي الاحزاب الحاكمة، بينما  ذهبت اطراف اخرى الى طرح اسماء معينة من بينهم النائب فائق الشيخ علي  وكاظم السهلاني. وبصورة عامة فان المعروف ان للمتظاهرين  شروط نفي للمرشح من بينها ان يكون من عراقيي الداخل وليس من عراقيي الخارج، وألا تكون لديه جنسية اخرى (هذا الشرط دستوري)،  وألا يكون ممن تولوا منصبا وزاريا بعد عام 2003، وألا يكون  
منتميا الى حزب.
واضافة الى الشرعية البرلمانية المنصوص  عليها في الدستور، والشرعية الشعبية التي وضعتها المرجعية، فان المرجعية اضافت  شرطا اخر هو شرعية الانجاز. فقد نص خطاب المرجعية  على عدد من الامور وطلبت من الحكومة الجديدة القيام بها، وهي : (1) تهدئة الأوضاع و(2) استعادة هيبة الدولة،  و(3) القيام بالخطوات الضرورية لإجراء انتخابات مبكرة. وهذا يعني ان مصير الحكومة بعد تشكيلها سيكون مرتبطا بقدرتها على انجاز هذه الامور الثلاثة.  وليس من شك في ان المهمة الثالثة، اي اجراء الانتخابات المبكرة، هي بيت القصيد، وباب الخروج من الازمة الراهنة؛ ذلك ان الانتخابات المبكرة وتشكيل مجلس النواب الجديد  بطريقة الانتخاب الفردي سيكونان المدخلين الى استعادة  الثقة بالنظام السياسي القائم، واجراء الانتخابات المبكرة لا يمكن دستوريا الا من خلال  تطبيق المادة 64 وبالتالي حل البرلمان  وتحول الحكومة الى حكومة تصريف اعمال  واجراء الانتخابات خلال 60 يوما.
وهذا يعني، ان حكومة علاوي المزمعة، ستكون حكومة تصريف اعمال حكما.
وبناء على هذا التفسير، لن يكون مطلوبا من  محمد علاوي اشغال نفسه  بموضوع البرنامج الحكومي، وتفصيلاته، حيث  ستكفي النقاط الثلاث لنيل ثقة البرلمان والمتظاهرين معا، اذا تم القبول بشخصه اولا.
ورغم ان المرجعية قالت : «انها غير معنية بالتدخل أو ابداء الرأي في أي من تفاصيل الخطوات التي تتخذ في هذا المسار»، الا انني سألت صديقا مقربا من اجواء المرجعية عما اذا كانت شروطها المعلنة تعني رفضا مسبقا او قبولا مسبقا بحكومة محمد علاوي، فاجابني: «انها اعطت الضوء الاصفر». والضوء الاصفر يسبق احد الضوءين: الاخضر للقبول والانطلاق، والاحمر للرفض والتوقف.