ثورة الرز تنعش اقتصاد نيجيريا

اقتصادية 2020/02/21
...

اورجي سندي
ترجمة: بهاء سلمان
يلتقط اوكي ايكينا، 28 عاما، حبوب رز بأصابعه من طاقة معروضة داخل متجر للبقالة في لاغوس، وكانت الحبوب خليطا من بذور بيضاء حليبية وأسود خفيف موضوعة في كيس منقوش عليه نماذج للورود. إنه جزء من تصميم اقتصادي جديد تعمل عليه نيجيريا. ومنذ الازدهار الاقتصادي للنفط ابان سبعينيات القرن الماضي، أقامت البلاد اقتصادها على النفط الخام، الذي يسهم بجلب ما نسبته تسعين بالمئة من الأموال الخارجية، وسبعين بالمئة من مجمل العائدات. 
ووسط خضم هذه العملية، أهمل أكبر اقتصاد في القارة الأفريقية الأعمال الزراعية وانتاج الغذاء المحلي، حتى مع تزايد أعداد السكان بشكل كبير؛ فبحلول سنة 2015، كان ثلاثون بالمئة من السبعة مليون طن متري من الرز المستهلكة في البلاد قد أنتجت محليا، أما الباقي فكان مستوردا. بيد أن الصدمات المتتالية التي تعرّض لها الاقتصاد بسبب التقلبات بأسعار النفط العالمية فرضت حاليا حالة من اعادة التفكير بالقطاع الزراعي.
 
مشاريع عملاقة
وتمثل استثمارات القطاع الخاص والأنظمة الحكومية والسيطرة على الحدود والقروض وحتى الغابات على قيادة ثورة رز هادئة، لكن مستعجلة، بخطى سريعة تساعد نيجيريا على تلبية احتياجاتها الغذائية، وتنقلها بوقت قريب الى مصاف الدول المصدرة لهذه المادة والاعتماد عليها كمورد للعوائد المالية.
ووعد أغنى رجل في أفريقيا، اليكو دانغوت، باستثمار مبلغ مليار دولار في انتاج الرز، إذ شرع سنة 2017 بأول مشاريعه الضخمة لانتاج ما قدره 225 ألف طن متري سنويا من الرز المسلوق جزئيا. وفي تشرين الثاني الماضي، أقام رجل أعمال ثري آخر، كوسماس مادوكا، معملا لمعالجة الرز يتوقع أن ينتج 120 ألف طن متري بحلول نهاية السنة الحالية.
بالوقت نفسه، لن يقوم البنك المركزي النيجيري بتسهيل التحويلات المالية للعملة الصعبة بالنسبة للغذاء المستورد، وبضمنه الرز. ولأجل تعزيز هذه الخطوة، أغلقت البلاد حدودها البرية مع جيرانها من دول غرب أفريقيا بغية تقليل التهريب. ومنذ سنة 2015، قدّمت الحكومة قروضا للمزارعين المحدودي الامكانية، وتسهم مع البنك الدولي بنشر برامج عبر الاذاعة لمساعدة مزارعي الأرياف لاستعادة معلوماتهم الخاصة بطرق استخدام مختلف أصناف البذور، والسيطرة على المبيدات، علاوة على الأسمدة والمواد الكيمياوية، ويطلعونهم بالوقت نفسه على حالة تغيّر المناخ. هذه الخطوات تشجع الأصناف المحلية للرز على التفوّق بطريقة لم تشهدها سابقا، وظهرت أصناف جديدة متعددة خلال العام الماضي.
 
تنويع الموارد
يقول اكينا: "في ما مضى، لم يدخل متجري أي نوع من الرز منتج داخل نيجيريا، لكن الآن يحصل هذا الشيء". وتتضح النتائج بشكل سريع، إذ تقدر رابطة مزارعي الرز النيجيرية بارتفاع الانتاج السنوي للرز بمقدار ثمانية ملايين طن متري، ومع معدلات التنمية المتصاعدة الحالية، يمكن للانتاج أن يصل الى 18 مليون طن متري بحلول سنة 2023، الأمر الذي سيتيح تحقيق صادرات بكميات كبيرة بعد إطعام سكان البلاد البالغ تعدادهم 190 مليونا. ومن خلال تقليل اعتماد البلاد على النفط الخام، سيعمل محصول الرز على تقوية الاقتصاد ضد الهزات التي تضرب أسواق النفط العالمية، مؤديا الى تنويع اقتصادي، وتحسين الأمن الغذائي وخلق فرص عمل جديدة.
ولا يعد هذا التغيير الضخم للمنهج في ما يخص اقتصاد البلاد أمرا سهلا؛ فعلى مدى عقود، أنفقت نيجيريا عوائد النفط الخام على استيراد الغذاء مع انخفاض الانتاج الزراعي المحلي، فالشباب انتقلوا من المزارع الى المدن ليعملوا بوظائف مقابل أجور متوسطة، واعتمد مالكو المزارع الصغيرة على أفراد الأسرة وأدوات قديمة للعمل الزراعي، ينتجون في أغلب الحالات ما يكفي لاطعام أسرهم فقط.
وكانت الأصناف المحلية تباع بكميات قليلة بسبب رخص أسعار الرز المستورد، علاوة على جودة معالجته وتعبئته. عدا ذلك، كانت هناك أزمة العقلية السائدة بين عامة الناس. يقول اوموليهين رافائيل، أستاذ الزراعة بجامعة اويي ايكيتي الحكومية: "الناس يحبون أي شيء يأتي من الخارج، والأسباب ليست حقيقية غالبا".
 
توجيه صحيح
وارتكزت جهود تغيير اتجاه اللامبالاة التي تسود نيجيريا تجاه المنتج المحلي على جعل الزراعة محبّبة لدى الشباب والمستثمرين الكبار الذين بمقدورهم المساعدة على ضمان كون كميات انتاج الرز المحلي ونوعيته في طريقها الى التحسن. يقول كواو اندام، الباحث لدى معهد بحوث السياسات الغذائية الدولي: "يشهد القطاع الزراعي الغذائي برمته في نيجيريا توسعا هائلا، والنجاحات الأخيرة مرتبطة مع حماية الحكومة للناتج المحلي".
ولأجل التيقّن، لا يزال هناك المزيد لتعلّمه من المنافسين الدوليين، بحسب أندام، قبل أن تدرك نيجيريا بصورة كاملة "قطاع رز محليا مزدهرا وتنافسيا". وتملك البلاد أراضي صالحة للزراعة وقدرات اروائية وأعدادا ضخمة من الشباب، لكن هناك الكثير الذي يجب فعله. يقول اندام: "الدول التي صارت تنافسية، أغلبها من الدول الآسيوية، انفقت أموالا طائلة على البحوث والتطوير والبنية التحتية".
ولا تبدو فاعلية بعض الاجراءات الحكومية واضحة كذلك، فالأرقام الصادرة من رابطة مصدري الرز التايلندية تبيّن أن ما تستورده نيجيريا من الرز التايلندي قد انخفض بنسبة 95 بالمئة، بين أيلول من عام 2015 وأيلول 2017. وتعد تايلند ثاني أكبر منتج للرز في العالم، وكانت أكبر مصدر لهذه المادة الى نيجيريا. مع ذلك، وبالوقت نفسه، تضاعفت استيرادات بنين من الرز التايلندي للفترة نفسها، الأمر الذي يثير شبهات حول استغلال المهربين لهذه الدولة الصغيرة لجلب الرز بشكل غير قانوني الى البلاد رغم صرامة الرقابة على الحدود. كما أن برنامج القروض لسنة 2015 أخفق ضمن عدة مناطق من نيجيريا، مع عدم تمكن الحكومة من استعادة مبالغ كبيرة من المقترضين. 
ورغم ذلك، لا يزال هناك تحوّل نحو الأفضل سيعمل على نقل زراعة الرز النيجيرية في نهاية المطاف الى مهنة جاذبة، بحسب اندام: "يمكننا الآن التنافس مع الرز المستورد".
 
مجلة اوزي الأميركية