أهمية الائتمان الزراعي

اقتصادية 2020/02/23
...

محمد شريف أبو ميسم 
 

غالباً ما يكون الإئتمان الزراعي متوسط الأجل، بوصفه أداة لتمويل متطلبات إقامة المشاريع، بينما يتم تمويل المصروفات التشغيليَّة للمشاريع الزراعية عن طريق الإئتمان قصير الأجل. بيد أنَّ الإئتمان طويل الأجل الذي يقترن بالتمويل العقاري في عموم العالم، كان ولا يزال جزءاً من الإئتمان الزراعي، لارتباط غرض هذا الأخير بهدف إقامة المشاريع الزراعيَّة الكبيرة باتجاه تحقيق الأمن الغذائي للدولة، إذ لا سيادة للدولة من دون أمن غذائي نسبي على أقل تقدير في ظل هيمنة الشركات التي تحكم العالم على تجارة المحاصيل الستراتيجيَّة وإنتاج البذور والمبيدات في العالم، وبالتالي فإنَّ هدف تحقيق الأمن الغذائي من أولويات الحكومات الوطنيَّة، التي تحاول الانعتاق من سطوة هذه الشركات في ظل عولمة اقتصاديَّة تؤسس لزوال حدود الدولة التقليديَّة وتجبرها على نظام ليبراليَّة السوق.
وبناءً عليه فإنَّ رفع نسب الإئتمان الزراعي لإقامة المزيد من المشاريع الزراعية، وتشجيع المزارعين على استغلال الأراضي الزراعيَّة في هذا الإطار، يعدُّ عنصراً رئيساً ومباشراً باتجاه تحقيق هدف التنمية المستدامة والأمن الغذائي، الأمر الذي يقتضي الخروج من مأزق الانكماش الناتج عن حالة عدم الثقة بين المصارف المانحة للقروض والمستهدفين بها، والناجمة عن حالة التلكؤ في استرداد الديون خلال السنوات الماضية، ويمكن تعزيز ذلك من خلال منح الأولوية للمقترضين الذين حققوا نجاحات في مشاريعهم السابقة وأوفوا بالتزاماتهم، وتشجيع الكفاءات الزراعية الباحثة عن التمويل على إقامة المشاريع، والسعي باتجاه استحداث مؤسسة خاصة بشراء الديون الموقوفة "على غرار شركة ضمان الودائع"، تتولى استرداد الديون في إطارٍ قانوني يحمّل أصحاب القروض التي لم تذهب الى أهدافها مسؤوليَّة ضياع فرص توظيف الأموال العامة وما ترتب عليها، وهنا سنحقق جملة من الأهداف، في مقدمتها، تحرير الموظفين العاملين في المؤسسات الماليَّة الحكوميَّة من عقدة الخوف الناتجة عن عدم التزام المقترضين بسداد ما بذمتهم، والخشية من التلاعب بالأوراق الرسميَّة والموافقات التي غالباً ما تدور في حلقات مترهلة لبيان مدى صحة صدورها، الأمر الذي يزيد من تعقيد الإجراءات ومن عزوف المستحقين للدعم عن الخوض في سلسلة طويلة من التعقيدات الإجرائيَّة، ومن ثم ضمان انسيابيَّة منح القروض من دون تردد، ووضع صاحب القرض أمام الأمر الواقع، فإنْ لم يحرص على النجاح فإنه سيتعرض للتبعات القانونيَّة بشأن مطالبات الجهة المانحة بالسداد، والمؤسسة التي ستقوم بشراء الدين.
وفي هذا الإطار يمكن القول إنَّ نشر الوعي بشأن أهمية الإئتمان الزراعي بين الموظفين والمستهدفين بالقروض ينبغي أنْ يأخذ أولويَّة بوصفه أداة من أدوات تحقيق أهداف الأمن الغذائي في البلاد. والأهم من ذلك هو الكف عن اجترار ما يقال بشأن ترك القطاعات الحقيقيَّة لآلية السوق من دون تدخل الدولة، إذ إنَّ دعم القطاع الزراعي تحديداً يأخذ أولوية حتى في أعتى الدول الليبراليَّة، ففي الولايات المتحدة، ثمة شركات ممولة من الحكومة أُنشئت لغرض ضمان تدفق الإئتمان للقطاع الزراعي. بينما تلزم بعض الوكالات الماليَّة رغم كونها ملكيَّة خاصة بأنْ تقدم خدمات مالية تساعد في عمليات الاقتراض الزراعي، وفي فرنسا تلزم البنوك بتمويل مجموعة كاملة من الأنشطة الاقتصادية الريفية في المزارع وخارجها، وهكذا بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي واستراليا وكندا.