اعتاد الجمهور على النظر للمصارف الحكومية بوصفها مؤسسات دولة تملي عليه وهو يستجيب، تبعا للإرث الثقافي الذي خلفته مرحلة الحكم الشمولي، وقد كرّست هذه النظرة الفوقية حيال الجمهور سنوات عمل طوال جعلت بعض العاملين في المصارف الحكومية في علو خلال التعاطي مع الزبائن.
وبعد أعوام طوال من التدريب والتأهيل للعاملين بجانب محاولات نشر الوعي المصرفي بين الجمهور، لم يستطع كلا الطرفين تجاوز هذا الارث الثقافي بشكل يؤسس لواقع جديد يرتقي الى مستوى العلاقة المماثلة في الصناعة المصرفية في الكثير من بلدان المنطقة على أقل تقدير.
ومع انطلاق العمل ببرنامج الشمول المالي، استحدثت أدوات عدة للتقليل من مساحة الفجوة بين الجمهور والمصارف بشكل عام، ومن بين هذه الأدوات، استحداث أقسام للتوعية المصرفية وحماية الجمهور تتولى نشر الوعي المصرفي من خلال الاتصال المباشر مع الجمهور وتفعيل المواقع الألكترونية للمصارف الحكومية وتوظيف شبكة مواقع التواصل الاجتماعي ونشر المطبوعات بمختلف أشكالها وتلقي شكاوى الجمهور والتفاعل معها في توقيتات زمنية محددة، فضلا عن توظيف التقانات وأدوات الدفع الألكتروني بغية اختزال حلقات الترهّل في الأداء وتقليل مظاهر الروتين والبيروقراطية مع اصدار دليل حماية المستهلك ودليل حقوق ومسؤوليات الزبون.
وما يهمنا هنا أن يعي الجمهور واجباته مثلما يعي حقوقه التي حددتها مجموعة من المبادئ القائمة على المعاملة بعدل وانصاف مع مختلف الشرائح والفئات المجتمعية، والزام المصارف بمبادئ الافصاح والشفافية، والكشف عن جميع المعلومات التي تخص المنتجات المقدمة ووضع برامج وآليات مناسبة لتطوير معارف ومهارات الزبائن وتمكينهم من فهم المخاطر الأساسية ومساعدتهم في اتخاذ القرارات التي لا تضر بمصالحهم، علاوة على الحماية ضد عمليات الاحتيال من خلال وضع أنظمة رقابية ذات مستوى عالٍ من الكفاءة والفعالية بجانب حماية سرية بيانات المستهلك ومعالجة الشكاوى وتمكينهم من البحث والمقارنة بين أفضل الخدمات والمنتجات ومقدميها وامكانية التحويل بينها بسهولة ووضوح وبكلفة معقولة.
وازاء كلّ ذلك يتحمّل الزبون مسؤوليات تترتب على الاخلال بها تبعات قانونية واجرائية، اذا ما قدم معلومات ناقصة أو غير دقيقة في تعامله، أو تعمد تقديم تفاصيل كاذبة أو مضللة، فضلا عن أهمية الايفاء بالالتزامات المترتبة على تقديم الخدمة، وفهم آليات التعامل، ومن ثم استخدام المنتجات بموجب الأحكام والشروط، وبما يتلاءم ووضعه المالي واحتياجاته ليتجنب المخاطر التي قد يتعرض لها. وعدم الانجرار للخدمات التي لا تتلاءم واحتياجاته والكشف عن جميع التزاماته المالية مع جميع الجهات.
وعليه أيضا أن يبلّغ المصرف بشأن العمليات غير النظامية، ولا يفصح عن معلوماته المصرفية لأي طرف آخر، علاوة على أهمية استشارة العاملين في حال مواجهة صعوبات مالية، بجانب تحديث معلوماته وبياناته بشكل دوري. وعليه فإنّ التزام الطرفين بواجبات وحقوق كل منهما، يمكن أن يفضي لمزيد من التداول المالي في الساحة المصرفية وتقديم الخدمات بشكل أمثل بما يسهم في تدوير الأموال وخلق التنمية الاقتصادية.