كورونا.. يغيّر مواعيد العالم ويقلب موازين السياسة

قضايا عربية ودولية 2020/03/06
...

عواصم / وكالات
 
يواصل فيروس كورونا انتشاره في 82  دولة حول العالم، بعد أن انطلق مشواره من الصين، قبل أن يتوزع في العديد من دول العالم الكبرى والصغرى فانتشاره الأكبر كان في قارة آسيا، والأقل منه في قارة أفريقيا، وفق الأرقام الرسمية المعلنة، كما تسبب الفيروس حتى الآن في إصابة سياسيين، وإلغاء زيارات كانت معلنة، ومؤتمرات سياسية مهمة، بالإضافة إلى قمم ولقاءات على مستوى زعماء العالم.
 
وبهذا الشأن توقع عضو اللجنة الحكومية الإيرانية لمكافحة كورونا، مسعود مرداني، إصابة ما بين 30 إلى 40  بالمئة من سكان طهران بالفيروس خلال الاسبوعين المقبلين، بسبب الزيارات المكثفة للمراكز الصحية.
وقال مرداني في مقابلة مع صحيفة "إيران" أمس الجمعة: إن "مصابا واحدا بمقدوره نقل الفيروس إلى 4  أشخاص في ذات اللحظة، وبذلك من المتوقع إصابة  30-40  بالمئة من سكان طهران بالفيروس، مع حلول 20 آذار الجاري".
ولفت إلى أن عددا كبيرا من الإيرانيين يراجعون المراكز الصحية والمستشفيات، عند شعورهم بالإصابة بالإنفلونزا العادية، معتقدين أنها كورونا، وعلى هؤلاء الانتباه إلى ضرورة تلقي العلاج منزليا بدلا من الذهاب للمستشفيات في هذه الظروف. ويبلغ عدد سكان العاصمة طهران والمناطق التابعة لها نحو 12 مليون شخص، وتتمركز حاليا الإصابات والوفيات بالعاصمة طهران بنسبة أكبر.
 
الكونغرس الأميركي
من جانبه صادق الكونغرس الأميركي، على مشروع قانون ينص على تخصيص 8.3  مليارات دولار لوقف انتشار كورونا في اميركا.
وصوت 96  سيناتورا في مجلس الشيوخ، الغرفة العليا للكونغرس، لصالح تبني الوثيقة، بينما رفضها مشرع واحد، وذلك بعد أن لقي مشروع القانون تأييدا كبيرا في مجلس النواب.
وأرسل مجلس الشيوخ مشروع القانون إلى البيت الأبيض للتوقيع على الوثيقة من قبل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب.
وسبق أن طلب ترامب من الكونغرس تخصيص 2.5 مليار دولار فقط لمكافحة انتشار فيروس كورونا، معتبرا أن الجهود الأساسية في هذا المجال يجب أن تبذلها السلطات على المستوى المحلي، إلا أن المشرعين قرروا زيادة هذا المبلغ.
وحتى مساء الخميس سجلت في أراضي الولايات المتحدة 190 حالة للإصابة بالفيروس بشكل عام، بينها 11 وفاة.
 
أزمة عالمية
في السياق نفسه، تجاوزت تأثيرات فيروس كورونا المجالات الصحية والاقتصادية لتشمل الجوانب السياسية على المستوى العالمي.
وتأتي هذه المجريات في ظل الإجراءات الاحترازية التي تتخذها الدول؛ مثل غلق الحدود، ووقف الرحلات الجوية، وخفض التجمعات السياسية قدر الإمكان سعياً لمنع انتشار المرض لدرجات أكبر في البلاد التي توجد بها حالات أو التي لم يصل إليها بعد.
كان بارزاً إعلان جامعة الدول العربية، تأجيل عقد القمة العربية التي كانت مقررة في الجزائر خلال الشهر الجاري.
وعقد وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادم والأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط مؤتمراً صحفياً السبت  الماضي أعلنا فيه تأجيل عقد القمة بسبب الظروف العالمية وبالأخص الصحية بعد انتشار فيروس كورونا، على أن التأجيل لا يمكن أن يتعدى شهر حزيران المقبل.
 
إصابة الساسة
لعل الفيروس الذي بدأ في الصين من عموم الشعب في إقليم ووهان، وصل إلى إيران لينتشر بين الشعب وقياداته حيث تسبب في إصابة عشرات المسؤولين في البلاد، في سابقة لم يكن لها مثيل عالمياً وتفشى بسرعة بغالبية المدن والمحافظات الإيرانية، حيث أعلن منذ أواخر شباط 2020  إصابة كل من "معصومة ابتكار نائبة الرئيس لشؤون المرأة، وإيراج حريرجي نائب وزير الصحة، والنائب الإيراني مجتبى ذو النور الذي يشغل منصب رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان، وآخرين".
كما أعلن عبد الرضا مصري نائب رئيس البرلمان الإيراني إصابة نحو  23   نائباً في البرلمان الإيراني أدخلوا جميعاً إلى (الحجر الصحي). وهو ما سيؤثر بطبيعة الحال في جلسات البرلمان الإيراني.
كما أدى الفيروس إلى تأجيل الدورة السنوية لمجلس الشعب الصيني التي كان يفترض أن تنعقد بداية الشهر الجاري لمدة عشرة أيام.
بدورها أعلنت الحكومة اليابانية إلغاء الرئيس الصيني" شي جين بينغ "زيارة كانت مقررة إلى اليابان الشهر المقبل، ما سيؤدي إلى تأجيل العديد من الملفات مثل منازعات سياسية مع كوريا الجنوبية وروسيا.
اما في كوريا الجنوبية فقد ألغيت جلستان لبرلمانها في 24  شباط الماضي وأغلق مقره، بعد التأكد من أن شخصا شارك في نقاشات بالمجلس التشريعي أصيب بالفيروس.
كما أن البيت الأزرق الرئاسي في كوريا الجنوبية، أعلن امس أن رئيس البلاد "مون جيه" ألغى جولة تشمل الإمارات ومصر وتركيا بسبب انتشار الفيروس العالمي.
 
فعاليات أوروبية
وفي وقت ينتشر الفيروس بأوروبا بشكل متسارع أيضاً، في أغلب دول الاتحاد الكبرى مثل إيطاليا وألمانيا وفرنسا، سارع البرلمان الأوروبي لإلغاء أكثر من 100 فعالية كإجراء وقائي ضد كورونا. وأوضح رئيس البرلمان، دافيد ساسولي، في تصريح، صحفي، أن جميع الأنشطة الثقافية والزيارات الشخصية والندوات ألغيت، باستثناء الجلسة العامة التي ستبدأ هذا الأسبوع في ستراسبورغ.
وأشار أنه سيتم تعليق اجتماعات لجنة البرلمان الأوروبي بشكل مؤقت ضمن الإجراءات الوقائية.
كما قام منظمو منتدى "أفريقيا-سي آي أو" في أبيدجان بساحل العاج بتأجيل الفعالية السياسية الكبرى إلى وقت غير مسمى الخميس الماضي بحسب وكالة الصحافة الفرنسية. وكان من المتوقع أن يجمع 1800 شخص من واضعي سياسات اقتصادية وسياسية وبينهم رؤساء دول.
 
300  مليون طالب
وضمن تداعيات الفيروس الخطير وابتداء من امس الاول الخميس بات نحو 300  مليون طالب محرومين من الدراسة، إذ أصبحت إيطاليا آخر دولة تغلق مدارسها وجامعاتها في محاولة لوقف انتشار وباء كوفيد-19 الذي يثير هلعا في العالم ويهدد الاقتصاد العالمي.
واتخذت إيطاليا، أكبر بؤرة في أوروبا، حيث تجاوز عدد الوفيات المئة ليصل إلى 107 من أصل 3089 حالة إصابة، إجراءات استثنائية إذ قررت إغلاق كل المدارس والجامعات اعتبارا من الخميس وحتى 15آذار الجاري.
أما كوريا الجنوبية، ثاني أكبر بؤرة إصابات بعد الصين (5776) إصابة، بينها  35  وفاة فمددت عطلة التلاميذ في المدارس ودور الحضانة لثلاثة أسابيع.
في إيران حيث أعلنت السلطات وفاة 15 شخصا وبذلك بلغت الوفيات،  92  حالة وفاة في حصيلة إجمالية، و2922 إصابة فإن المدارس مغلقة أيضا كما علقت كل المناسبات الثقافية والرياضية وخفضت ساعات العمل في الإدارات.
وبفعل الوباء، اضطرت 13 دولة إلى إغلاق كل مدارسها ما أثر في الدراسة بالنسبة لأكثر من 290  مليون طالب في العالم، بحسب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو التي تحدثت عن "رقم غير مسبوق".
وذكرت اليونسكو أنه قبل أسبوعين كانت الصين التي ظهر فيها الفيروس في كانون الأول الماضي، الدولة الوحيدة التي أغلقت مدارسها.
ويبدو أن الحجر الصحي الذي تخضع له ووهان، بؤرة الوباء، والمناطق المجاورة لها منذ نهاية كانون الثاني وكذلك القيود على السفر في البلاد أعطى نتائج مع انخفاض عدد الوفيات في الأسابيع الماضية وشفاء أكثر من 50  ألف شخص.
 
التجمعات الدينية
كما تأثرت التجمعات الدينية أيضا، إذ قررت السلطات السعودية تعليق العمرة "مؤقتا للمواطنين والمقيمين" في المملكة، خشية وصول فيروس كورونا الجديد للمسجد الحرام في مكة المكرمة والمسجد النبوي في المدينة المنورة، بعد نحو أسبوع من تعليقها للمعتمرين الوافدين.
وفي فرنسا أعلن مزار السيدة العذراء في لورد الذي يجتذب سنويا ملايين الكاثوليك من أنحاء العالم، أنه سيغلق المغطس المقدس من دون الكشف عن مزيد من التفاصيل.
 
تقرير طبي
ولتسليط الضوء اكثر على ماهية الفيروس المبهم كشف تقرير نشرته صحيفة "غارديان" البريطانية جوانب مثيرة عن وباء كورونا الجديد وخصوصيته على أكثر من مستوى.
ولفت التقرير إلى أن هذا الوباء ناجم عن "واحد من سلالة الفيروس التاجي الذي لم يسبق له مثيل من قبل.. وكما هو الحال مع الفيروسات التاجية الأخرى، فإن مصدرها حيواني، والكثيرون ممن أصيبوا بالعدوى إما كانوا يعملون في سوق ووهان للمنتجات البحرية بالجملة في وسط هذه المدينة الصينية، أو غالبا ما ترددوا عليه للتسوق".
ورصدت الصحيفة في تقريرها أن هذا الفيروس الجديد "يتسبب في مرض الالتهاب الرئوي، والسعال والحمى وضيق التنفس. ويحدث في الحالات الشديدة  فشل في وظائف أعضاء  الجسم. وبما أن ذلك التهاب رئوي فيروسي، فإن تناول المضادات الحيوية غير مجد، والأدوية المضادة للفيروسات المتاحة غير فعالة، بينما يعتمد الشفاء على حالة الجهاز المناعي للإنسان، وكان الكثير من المتوفين يعانون من سوء الحالة الصحية قبل الإصابة". 
وبشأن الوضع في الصين ، أفيد  بتسجيل أكثر من 80 ألف حالة عدوى، وتجاوز عدد الوفيات فيها ثلاثة آلاف شخص. وأبلغ في كوريا الجنوبية، البلد الأكثر تضرراً من تفشي عدوى الفيروس خارج الصين، عن 5328  حالة إصابة. إلا أن أكثر من 44  ألف شخص مصاب بفيروس كورونا الجديد في الصين تغلبوا على المرض وتعافوا.
ورأى التقرير أن المشكلة في التعامل مع هذا الوباء تكمن في أنه لا يعرف بعد مدى خطورة فيروس كورونا الجديد "إلى أن يتم الحصول على بيانات جديدة"، مشيرا في هذا السياق إلى أن "معدل الوفيات في مقاطعة هوبى، مركز الوباء الرئيس، يبلغ  نحو 2  بالمئة، وهو أقل من المسجل في أماكن أخرى. للمقارنة في حالة الإصابة بالإنفلونزا الموسمية، يكون معدل الوفيات عادة أقل من 1 بالمئة، ويعتقد أن 400  ألف شخص يموتون منه في جميع أنحاء العالم كل عام. معدل الوفيات الناجمة عن متلازمة الجهاز التنفسي الحادة الوخيمة (السارس) تجاوز 10بالمئة.
وشدد التقرير على أن النقطة الرئيسة الهامة التالية تتمثل في "عدم معرفة إلى أي مدى فيروس كورونا يعد معديا. الاختلاف الأساسي بينه وبين الإنفلونزا هو عدم وجود لقاح ضد الفيروس التاجي الجديد، ما يعني أنه من الأصعب حماية الناس المعرضين لخطر العدوى، مثل كبار السن أو الأشخاص الذين يعانون من مشكلات في الجهاز التنفسي أو جهاز المناعة".
وذكر التقرير أن "فيروسات كورونا التي تنتقل من الحيوانات تتسبب في الإصابة بمتلازمة التنفس الحاد الوخيمة (السارس)، وبمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية.
وانتشر في عام 2002 مرض السارس في نحو 37 دولة، ما تسبب في حالة من الذعر في جميع أنحاء العالم، وأصيب في نفس الوقت أكثر من ثمانية آلاف شخص وتوفي أكثر من 750  آخرين.
ومن الواضح أن هذا المرض لا ينتقل بسهولة من شخص إلى آخر، لكن لديه معدل وفيات أعلى، إذ من بين نحو 2500  شخص تم تشخيصهم بهذه المتلازمة، مات ما نسبته    35 بالمئة .
 
عادات جديدة
 في سياق متصل، أدخل فيروس كورونا المستجد إلى كل أنحاء العالم سلوكيات جديدة إلى المجتمعات للوقاية من انتقاله من شخص إلى آخر... من أبرزها رفض المصافحة في اليد والتقبيل والمعانقة وإلقاء التحية بـ"هز القدم".
ففي بكين حيث بدأت أزمة فيروس كورونا، كتب على ألواح حمراء عبارات تشجع الناس على تجنّب المصافحة والاستعاضة عنها بضم اليدين كل شخص على حدة. كما نصح باستخدام حركة "غونغ شو" التقليدية (وضع قبضة يد في كف الأخرى) لإلقاء التحية.
اما في إيران حيث انتشر شعار "لن أصافحك لأنني أحبك" في كل مكان، تطوّرت طريقة جديدة لإلقاء تحية تتمثل في دفع قبضة مغلقة نحو قبضة الشخص الآخر من دون ملامسة.
وقد أعادت المسؤولة في منظمة الصحة العالمية سيلفي بريان نشر رسم يظهر طرقا بديلة لإلقاء التحية بما فيها "هز القدم" أو ضرب المرفق بالمرفق.
اما في باريس فقد نشرت الصحف الفرنسية إرشادات ونصائح حول السلوكيات الجديدة التي يجب على الأشخاص اتباعها لتحل محل المصافحات وتبادل القبل.
وذكّر فيليب ليشتفوس، وهو خبير في الأدبيات خلال مقابلات مع وسائل إعلام عدة، أن المصافحة عادة حديثة نسبيا ويعود تاريخها إلى العصور الوسطى، وشدد على ضرورة "النظر" إلى الشخص الذي نحييه.
تخلت مؤسسات عدة عن "هونغي"، وهي تحية تقليدية لشعوب الماوري تتمثل في ضغط أنوف الأشخاص وجبهاتهم. وفي هذا السياق، استبدلت جامعة "ويلتيك" في ويلينغتون "هونغي" بنشيد "واياتا" الماوري لاستقبال الطلاب الجدد.
بدوره رفض وزير الداخلية الألماني هورست سيهوفر مصافحة اليد الممدودة للمستشارة أنغيلا ميركل، وضحك المسؤولان بعدها.
اما في اسبانيا فقد حظر تقبيل تمثال السيدة العذراء وهو تقليد يمارس خلال الأسبوع الذي يسبق الاحتفال بعيد الفصح، وفق ما قال المسؤول الصحي الوطني فرناندو سيمون مضيفا "هذا واحد من التدابير المطروحة". 
اما في رومانيا فمن المرجح أن يفسد الخوف من فيروس كورونا المستجد أسبوع "مارتيسور" الذي يسبق يوم المرأة العالمي في الثامن من آذار الجاري. وقد نصح مسؤول في وزارة الصحة الرجال بعدم تقبيل النساء اللواتي يقدمون لهن باقة من الزهور كما يتطلب هذا التقليد.
وأجازت الكنيسة الأرثوذكسية التي تتبع لها غالبية السكان، المؤمنين بعدم تقبيل الرموز في الكنائس والاستعانة بملعقة مخصصة لاستخدام واحد للمناولة. اما عربيا فقد انتشرت "هزة القدم" في لبنان أيضا حيث أظهر مقطع فيديو المغني راغب علامة والممثل الكوميدي ميشال أبو سليمان يضربان قدميهما بقدمي بعض أربع مرات مع إطلاق صوت قبلة في كل مرة.
كذلك انتشرت صورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي من عزاء والدة المطرب السوري جورج وسوف في لبنان، تظهر لافتة كتب عليها "عذراً، حفاظا على سلامة الجميع يرجى عدم التقبيل. التوقيع: كورونا".