المختصر في {كورونا} الجديد..

من القضاء 2020/04/06
...


د. كريم حميد الدراجي
 
 عائلة الفيروسات «كورونا» معروفة علميا بفصائلها السبع منذ زمن بعيد، أربع منها تسبّب الانفلونزا العادية والثلاث الباقية سببت بالتوالي:
 

1 - متلازمة الجهاز التنفسي الحادة «سارس- كوف-1» (شتاء عام 2002 - 2003، 10 بالمئة نسبة وفاة 774 مجموع وفيات، 29 بلد انتشار، الصين بؤرة اولى). 
2 - متلازمة الجهاز التفسي الحادة الشديدة، ميرز الشرق الاوسط(عام 2012، 36 بالمئة نسبة وفاة، 440 مجموع وفيات، السعودية).
3 - متلازمة الجهاز التنفسي، ميرز كوريا الجنوبية عام 2015 (36 حالة وفاة). 
4 - ميرز الشرق الاوسط عام 2018 (40 حالة وفاة).  
5 -  وآخرها جائحة كورونا الجديد» سارس- كوف-2» (عام 2019 - 2020)، 3 بالمئة نسبة وفاة، 16 الف مجموع وفيات حتى اليوم، 180 بلد انتشار، الصين بؤرة أولى) والذي يعد اضعفها تنكيلا بالجهاز التنفسي كونه يصيب فقط الجزء السفلي للرئتين بالقياس لسارس1، وميرس 2012 المتميز بأعلى نسبة وفيات بسبب اصابته للجزء العلوي والسفلي من الرئتين، لذلك فالوفيات في» كورونا» الجديد تتركز في الأعمار البشرية ما بعد 53 سنة، خصوصا من المدخنين ومن يعانون من ضعف المناعة والامراض المتنوعة المزمنة كالربو القصبي وعجز جهاز التنفسي، وامراض القلب، والسكّري وارتفاع الضغط، وامراض الكبد المزمنة والكليتين المزمنة والسرطان وفرط السمنة..الخ، غير أنه من ملاحظة نسب الوفيات في البلدان المختلفة، نجد التفاوت الكبير، ففي المانيا على سبيل المثال اقل من 1 بالمئة، الصين اقل من 3 بالمئة، ايران بحدود 6 بالمئة، في العراق وإيطاليا بحدود 10 بالمئة، وهذا طبعا يرتبط بعوامل كثيرة، منها الاختلاف في سرعة التشخيص، ودخول المستشفيات، والاعمار المصابة، ونوعية امراضها المزمنة، ونوعية الخدمات الطبية والعلاجية في فترة العزل الاحترازي للمشكوك بهم والمرضى المصابين. 
      وإن كان «كورونا «2019 أقلهم شدة في إصابة الرئتين وأقلهم نسبة وفيات، غير انه فاق الآخرين في سرعة تمدّده العالمي، بسبب زيادة مهارة الفيروس في ولوج الخلايا الرئوية، وكذلك لارتفاع نسبة المصابين من غير أعراض سريرية، الأمر الذي أدى الى زيادة فترة الحضانة وتفشي العدوى في المجتمعات البشرية المحلية والدولية والقارية، لذلك اطلقت عليه  وبعد حين عبارة جائح» جائحة كورونا»، الأمر الذي ادى الى ارتفاع عدد الوفيات بالقياس الى سارس1، وميرز، علما إني أشرت في مقالي السابق والمنشور في الفيس على صفحتي (بتاريخ 10 اذار 2020 وقبل اعلان المصطلح الجديد من قبل منظمة الصحة العالمية بيومين) الى ضرورة إعادة النظر في التسمية وتعريف معنى الوباء (موضوع نتكلم  عنه لاحقا بالتفصيل).  
      يعد حصول التطوير في قابلية الفيروس في الولوج الى الخلايا الرئوية، من جوهر الاسباب لتكاثره في الإنسان ومن ثم انتشاره من إنسان الى آخر وبعد أن كان حصرا على خفافيش حدوة الفرس،  علما أنه يوجد ما لا يقل عن 1200 نوع من الخفافيش، لا يوجد دليل قاطع في الوقت الحاضر عن كيفية حصول التطوير والتحول في الفيروس، ولكن يوجد بحث صيني مستجد حديثا، قدم أفضل الفرضيات؛ من خلال توصله لمعرفة الجينوم لفيروس كورونا الجديد؛ يتواجد في خفاش حدوة الفرس، الذي يتطابق بنسبة عالية  جداً (96 بالمئة) مع جينوم فيروس سارس- 1، الذي يتواجد أيضا في خفاش حدوة الفرس، و لكن جينوم» كورونا» الجديد، يحمل أيضا قطعة جينومية أخرى مهمّة جداً مرتبطة ببروتين «س» في غلاف  الفيروس، مكنته من الولوج الى الخلايا الرئوية البشرية، بعد أن كان يتواجد في الخفافيش ولايستطيع إصابة الانسان، هذه القطعة تتطابق بما هو موجود في جينوم فيروس آخر يتواجد في حيوان آكل النمل الحرشفي (بنسبة 99 بالمئة)، هذه المقاربات الجينومية تدفعنا والباحثين؛  للتفكر في فرض مهم؛ من أن فيروس كورونا الجديد أو» سارس-كوف-2» هو ربما نتيجة لإعادة التركيب بين فيروسين مختلفين، مما يعني أن المصدر الدقيق للفيروس لا يزال غير واضح، لعدم توفر الاجابات المنطقية للاسئلة التالية، التي أطرحها: في أي الحيوانات نشأ؟ في الخفاش أم آكل النمل الحرشفي أم في أنواع برية أخرى؟ هل حصل التحول الفيروسي وظهور فيروس « كورونا» الجديد نتيجة إصابة حيوان ما في الوقت نفسه بالفيروسين المختلفين؟ وهل حصل هذا مصادفة ونتيجة لظروف بيئية معينة، أم بفعل رباني؛ لتحقيق التوازن البيئي وإيقاظ فكر الانسان نحو شدة التلوث العالمي نتيجة الانتشار الكثيف للمصانع وما تبثّه الى البيئة من سموم، وتوسع المدن بحديدها واسمنتها على حساب الغطاء النباتي الاخضر، وخصوصا قد لوحظ عالميا في الوقت الحاضر؛ من اختفاء علامات التلوّت في الغلاف الجوي فوق البلدان والمدن المصابة بالفيروس، ونتيجة لمنع الطيران والتجوال وإيقاف المصانع والمطاعم ومظاهر الحياة البشرية المختلفة في المدن والدول المشار إليها، ام قد حصل هذا بفعل بشري من خلال الأبحاث السرية البايولوجية، لأهداف عسكرية او لخطأ ما حصل في مركز ابحاث فيروسي يروم التوصل الى اسباب قوة مناعة الخفاش وعدم اصابته بالفيروس» كورونا» ولغرض الاستفادة منها في تقوية مناعة الانسان.
من خلال دراسة قمت بها، تضمنت إعادة نظر واطلاع مقارن لفيروسات كورونا سارس1، وميرز، والحالية سارس2، وكورونا الانفلونزا المعتادة؛ من حيث الشكل، الحجم، الانتشار، الاعراض والعلاج، وقد أتضح لي وكمحصلة منطقية من التشابه الشديد في الاعراض والعلاجات المستخدمة حاليا، التي لا تتعدى اساليب معالجة الانفلونزا الشديدة ومضاعفاتها المعهودة لدينا عالميا، مع اضافة الادوية المستخدمة في سارس1 واحيانا ايبولا، مع علمنا بالاختلاف الباثولوجي بين كورونا الانفلونزا المعتادة والبقيّة من عائلة كورونا المتحولة، أصلا من الانفلونزا المعتادة، التي سببت بفعل حصول طفرة جينومية، ادت الى اختصار الطريق في صنع البروتينات المكونة للفيروس في سايتوبلازم الخلية مباشرة من غير الحاجة لدخول النواة، الامر الذي تسبب بظهور سارس1 الأشد فتكاً من الانفلونزا المعتادة، الامر الذي حدا بالعلماء بعدم اعتباره إنفلونزا عادية واعطوه تسمية جديدة (سارس كوف1) على الرغم من وبائيته وانتشاره في 29 بلدا في العالم ولم يقروا في حينها بانتقاله في الهواء، كالانفلونزا المعتادة، ووصفوا  التلامس الوسيلة الرئيسية في الانتقال، علما بأنه الى اليوم ما زال الكثير من الباحثين يعتقد بوجود وسائل اخرى غير التلامس ادت الى سرعة تفشيه، واليوم تتكرر المعضلة نفسها مع كورونا الجديد(سارس كوف 2) من أن الفيروس ينتقل بالتلامس ولم يشر ومنذ البدء من قبل منظمة الصحة العالمية الى فكرة انتقاله في الهواء على الرغم من ملاحظة تفشيه السريع والواسع في المدن والدول والقارات، علما بأني نبهت على هذه الفكرة في المقال الاول، وأشرت الى ضرورة اعتبار الفيروس ينتقل في الهواء، كحال الانفلونزا المعتادة، لما لهذه الفكرة من فوائد وقائية بالغة الأهمية في زيادة حذر الناس وعدم الخروج من منازلهم، علما بانه بدأت تتغير التوجيهات في ضرورة الابتعاد الشخصي، بين الافراد لمترين الى ثلاثة بدلا من اكثر من متر.     
      وما يقال عنHydroxychloroquine  دواء الملاريا المجرب بنطاق محدود في الصين وفرنسا، لا يرتقي الى التجربة السريرية الموسعة علميا، التي تتطلب التنفيذ على عدد كبير من المرضى لمعرفة ما نسميه في البحث العلمي( P Value) التي من خلالها نعرف بان النتائج الحاصلة، لم تأت مصادفة وانما عن ضرورة حقيقية، علما أن هذا الدواء يؤدي الى مضاعفات مميتة وخصوصا اذا أسيء استخدامه، واهمها اضطراب ضربات القلب وتوقفه، ضرر الدماغ، الكبد والكليتين، وهو غير قاتل للفيروسات، وإنما يعمل على إعاقة دخول الفيروس الى الخلايا، الامر الذي يقلل من تكاثر الفيروس، مما يعطي الفرصة الزمنية لجهاز المناعة للاستقواء على الفيروس بعد استمكانه، الذي يحتاج الى بعض من الوقت، نتكلم عن الآلية البايوكيمياوية لهذ الاعاقة والمرتبطة بالشحناتCharges في وقت آخر، علما أن هذا الموضوع شيق جدا ولنا مساهمة اكتشافية عالمية فيه في مرض الغيبوبة الكبدية المميتة، نشرتها تحت عنوان فرض خلل الشحنة Concept of charge defect، ولاول مرة في العالم، في ثلاثة مؤتمرات عالمية (عام 2010)  مختصة فقط في الكبد، وهي موثقة في كتاب المؤتمرات السالفة وفي كتاب ألماني للاكتشافات الجديدة في الطب كل 5 سنوات، وموضوع استخدام بعض ادوية الملاريا في حالات غير الملاريا ليس بجديد، علما باني استخدمت دواء بايريميثامين  pyrimethamine  (وهو من ادوية علاج الملاريا)،  لأول مرة في العراق في عام 1994 لعلاج حالة نادرة شخصت وعولجت من قبلي في وحدة الحميات في مستشفى البصرة العام ولأول مرة في العراق وربما في البلاد العربية، اسمها التوكسوبلازمة الحادة المكتسبة Acute Acquired Toxoplasmosis والمرتبطة بضعف المناعة، وأن هي نادرة ولكن ليست بجديدة، والدواء قد استخدم قبيلنا في اوروبا، وما ذكر أيضا عن إضافة أدوية مضادة للبكتيريا والفطريات، معروف أيضا في الكتب ومارسناه بكثرة؛ سواء في الوحدات الباطنية او الحميات او في مركز علاج التدرن الرئوي، حيث ترد حالات إصابة بمرض ذات الرئة، غير المعتادة بسبب الفطريات وانواع من البكتيريا النادرة، ما يعطي علامات مميزة نعرفها من الخبرة السريرية ومعاينة طبيعة الصور الشعاعية للرئة، وقد تحصل كمضاعفات عند إصابة الرئة بالانفلونزا الفيروسية الشديدة المعتادة.
 
    خلاصة القول بعد هذا السرد المختصر بين النظرية والتطبيق، أقول لكم وبكل وضوح:
1 - الوباء الحالي» سارس كوف2» سريريا انفلونزا شديدة بفيروس متحول وأكثر تفشيا من» سارس كوف1» الذي بدوره متحول من كورونا الانفلونزا المعتادة، وأكثر انتشارا في الهواء بسبب زيادة حجمه الناتج من كبر جزيئات تاجه التي تسرع طيرانه، بفعل دورانه حول نفسه بتأثير الرياح مما يزيد في تعجيل الحركة، علاوة على تطور قابليته في الالتصاق وبسبب حصوله على قطعة جينومية مضافة، الامر  الذي منحه امكانية فتح باب للدخول الى الخلية الرئوية من خلال ما توفر له من شحنة (charge) سالبة على غلافه في منطقة تسمى بروتين سي، ذات الشحنة التي منحته قابلية اكثر على الالتصاق في الأجسام والأشياء المتطايره الهواء، وزيادة التفشي بالمقارنة بـ»سارس كوف1». 
2 - لا يوجد حتى الآن بروتوكول طبي علاجي موحد عالميا استحصل على موافقة منظمة الصحة العالمية لعلاج الكورونا الجديد، وإنما توجد أساليب علاجية متنوعة وحسب الرؤية الطبية السريرية المناسبة في خبرة المؤسسة العلاجية، التي تختلف اولوياتها وخياراتها من بلد الى آخر، حيث الكل حاليا يستخدم  علاجات امراض الانفلونزا الوبائية السابقة ومضاعفاتها نفسها والمعروفة لدى الجميع وحسب الخبرة المحلية التي تتناسب وطبيعة تقنياتها المختبرية وامكانيات مراكزها العلاجية واجساد مرضاها من الناحية المناعية والجينية، التي تختلف من بلد الى آخر ؛ مثلا في الصين يتم استخدام الاساليب الدوائية السابقة لعلاج سارس1، من الادوية ضد فيروسات الانفلونزا الاربعة المعروفة (تجدونها في موقع مايوكلنك في أميركا) التي استخدمها الروس حاليا، أيضا، علاوة على بعض الدعم العشبي المناعي الذي تمتهنه المراكز الصينية بمهارة، وفي بعض الحالات الشديدة يتم اعطاء الكَلوبيولين لتقوية جهاز المناعة وامصال من المرضى المتشافين كعلاج مساعد يقضي على الفيروس مناعياً، واعتقد انه اعطى نتائج جيدة، لان الوفيات في الصين مقبولة حاليا، ويعكف الروس حاليا على تطوير علاج الملاريا المشار له ونأمل ان يفرز نتائج سريرية اوسع وأكثر مقبولية عالميا.
3 - وبالنظر للتفشي الواسع والسريع لهذا المرض، يجب ولاغراض وقائية التوجيه بأن هذا الفيروس ينتقل في الهواء كحال الانفلونزا المعتادة.
4 - من كلّ ما تقدم تبقى الوقاية اولا واخيرا افضل من العلاج، لذا فالاقامة الدائمة في البيوت الى ان تفرج الازمة، خير ضمان للصحة الفردية والمجتمعية.