هل نجح قرار اوبك الأخير بتحقيق توازن في أسواق النفط ؟

اقتصادية 2020/04/12
...

فلاح العامري
 
لقد فوجئت اسواق النفط العالمية بقرار المملكة العربية السعودية بعد فشل المفاوضات مع الوفد الروسي  ببدء حرب مزدوجة متمثلة بزيادة انتاجها الى قرابة الـ 12 مليون برميل يومياً والبدء بحرب الاسعار بتخفيض اسعار نفوطها بحدود 6-8 دولارات للبرميل . بهذا القرار انتقلت المملكة من اقصى اليمين الى اقصى اليسار، وتحولت بين يوم وضحاه من سياسة تخفيض الانتاج  ودعم اسعار النفط الى سياسة تخفيض الاسعار وزيادة الانتاج. 

لقد شكل قرار المملكة صدمة قوية للدول الاعضاء في المنظمة ولاسواق النفط العالمي على حد سواء وتسبب في تعجيل انهيار اسعار النفط بفترة قياسية. وادى ذلك الى حصول فوضى في الاسواق العالمية وسبب ارباكاً شديداً وخسائر كبيرة في الايرادات لدول منظمة اوبك وروسيا وشركائها، اضافة الى شركات النفط الصخري في الولايات المتحدة الاميركية والنفط الرملي الكندي وبقية منتجي النفط من دول وشركات النفط
 العالمية . 
وهذا ما دفع عدة جهات في الولايات المتحدة للتحرك لايجاد بعض الحلول لتخفيف الاضرار التي لحقت بشركات النفط الاميركية خاصة تلك المتخصصة في انتاج النفط الصخري. حيث بدأت الدعوة لاقامة تحالف نفطي بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، واقناع  إدارة ترامب بدفعها للانسحاب من منظمة اوبك  والتعاون معها لاستقرار الأسعار. كذلك طالب البعض  الرئيس الاميركي بمنع استيراد النفط الخام منها وهذا سيؤدي الى ازدياد التنافس بين المملكة وروسيا على اسواق الصين والهند، وربما صعوبة تصدير نفوطها ما يمنع زيادة حصتها من انتاج النفط في الاسواق
 العالمية.
والان يمكن تسليط الضوء على قرار أوبك الاخير  في 9 نيسان 2020 و تداعياته،  حيث اتفقت الدول المشاركة على اتخاذ اجراءات من اجل اعادة التوازن  بين العرض والطلب في اسواق النفط العالمية التي تعيش ظروفاً استثنائية غير مسبوقة.  فقد اكد القرار على اعادة العمل بإطار إعلان التعاون الموقع في ١٠ كانون الأول / ديسمبر ٢٠١٦ والذي سبق وتمت الموافقة عليه وتنفيذه خلال الـ 3 سنوات الماضية ولغاية اذار 2020 ، اضافة الى التأكيد على ميثاق التعاون الموقع في 2 تموز/ يوليو 2019.
ان جوهر الاتفاق واهم بنوده هو تخفيض اجمالي  انتاج منظمة اوبك وشركائها من النفط الخام  بمقدار 10 ملايين برميل في اليوم بدءًا من 1 مايس 2020 ولفترة شهرين تنتهي في 30 حزيران 2020. يعقبه تخفيض 8 ملايين برميل يومياً اعتباراً من 1 تموز 2020 ولغاية  31  كانون الاول2020. ثم  يتبع ذلك تقليص 6 ملايين برميل في اليوم لمدة 16 شهرًا اعتباراً من 1 كانون الثاني2021 إلى 30 نيسان 
2022. 
ان الاتفاقية ستكون سارية من 1 مايس 2020 ولغاية 30 نيسان  2022  يتم تنفيذها على شكل مراحل وبمستويات تخفيض متدرجة، وسوف تتم  مراجعة الاتفاقية خلال كانون الاول  2021. وسوف تتم متابعة تنفيذ الاتفاقية من قبل  لجنة المراقبة الوزارية المشتركة الحالية وبمساعدة من اللجنة الفنية المشتركة لمراقبة مطابقة إعلان التعاون بالنظر إلى إنتاج النفط الخام من خلال المعلومات من المصادر الثانوية المعتمدة من المنظمة ووفقًا للمنهجية المطبقة في منظمة أوبك.
ونود ان نثبت بعض  الملاحظات حول هذا الاتفاق:
1. ان الاتفاق لم ينجح في اقناع المستثمرين وتجار النفط في اسواق النفط العالمية بانه  يسهم في استقرار اسواق النفط العالمية وذلك ما جعلهم يبيعون عقودهم التي اشتروها بعد الدعوة للمؤتمر لقناعتهم بان الاجراءات غير كافية وادى ذلك الى انخفاض اسعار النفط بحوالي 10 بالمئة لتعود الى مستوى 23 دولاراً للبرميل قبل غلق الاسواق في عطلة نهاية الاسبوع.
2. لم يشر الاتفاق الى كمية التخفيض من المنتجين الرئيسين للنفط الخام خارج هذا الاتفاق كالولايات المتحدة الاميركية وغيرها للمساهمة في استقرار الاسواق، حيث  كان من المتوقع ان يتم تحديد 5 ملايين برميل يومياً من تلك الدول. ويبدوا  ان تأثير الرئيس الاميركي كان واضحاً لتجنب احراجه امام شركات النفط الاميركية التي يسيطر عليها الجمهوريون. مع العلم  ان هناك مؤشرات  بانخفاض انتاج النفط الصخري تدريجياً  ربما بسبب اجراءات التحوط اي تأمين سعر النفط  من قبل شركات انتاج النفط الصخري، ولكن اذا ما استمرت الاسعار بنفس مستواها حالياً، فان صناعة النفط الصخري ربما تتعرض للانهيار في العام المقبل، طبعاً لقد توقع خبراء اسواق النفط والمالية موافقة بعض هذه الدول المنتجة بتخفيض بحدود 5 ملايين برميل يوميا. 
3. المكسيك الدولة الوحيدة التي لم توافق على الاتفاق حتى الان، ولذلك الاتفاقية لن تكون سارية المفعول شرط موافقتها، وهذا يبين عمق الخلاف بين الدول المنتجة، وطبعا هذا احد نقاط الضعف في الاتفاق وفي حالة استمرار رفض المكسيك فان الاتفاقية سوف تنهار ، طبعا هذا اسهم  في زيادة قلق اسواق النفط العالمية ما اسهم في انخفاض اسعار النفط. اما ايران وفنزويلا وليبيا  فهي  مستثناة منذ فترة بسبب انتاجها اقل من حصتها المقررة في اوبك وتتراوح الاسباب بين العقوبات الاقتصادية المفروضة على بعضها والحرب الاهلية التي تمر بها بعضها، وفي نية المكسيك الموافقة بتخفيض 100 الف برميل يومياً بعد الحديث مع الرئيس الاميركي، ونحن نسأل ماعلاقة  الرئيس الاميركي بذلك هل هو تنسيق ام 
توسط.
وقد تقرر ان يتم  عقد اجتماع اخرللدول الاعضاء في الاتفاقية في 10 حزيران 2020 عبر نظام اتصالات  الويبينار webinar ، لتحديد المزيد من الإجراءات حسب الحاجة ولغرض تحقيق التوازن في اسواق النفط  العالمية. 
على ما يبدو كانت هناك عجالة  في عقد الاتفاق حيث لم تتم مناقشة المواضيع المطروحة بشكل مسهب، وهذا يعطي انطباعاً ان بعض الدول كانت مضطرة  للعودة الى طاولة المفاوضات ونتيجة للضغوطات والبعض الاخر ربما كان في حاجة ملحة للاتفاق، كذلك يعطي الاتفاق انطباعا بان منتجي النفط الثلاثة الكبار  لهم مصلحة، وهذا هو بداية الطريق لازالة العقبات من اجل اعداد اطار واضح لتذويب المصالح الخاصة لمصلحة الصناعة النفطية العالمية، حيث مازال قسم منها يتبنى مبدأ انتظر وراقب، وان الايام المقبلة حبلى بالمفاجآت. 
*خبير نفطي دولي