بعد 4 أشهر من ظهوره.. «كورونا» لا يزال السر الخفي

من القضاء 2020/04/21
...

باريس/ أ ف ب
 
بعد أربعة أشهر من ظهوره في الصين، بات فيروس كورونا المستجد منتشرا في العالم، بينما يسعى الأطباء والعاملون في المجال الصحي الى مكافحته، غير أنه لا يزال يخفي أسرارا تتكشف مع تقدم الأبحاث، ولا سيما في ما يتعلق بالمناعة ومدى العوارض.
الفئات الأكثر عرضة للإصابة
خلصت دراسات عدة نشرت أحدثها في مجلة «ذا لانسيت» البريطانية في 31 آذار، الى أن خطر الإصابة بمرض «كوفيد - 19» يزداد مع التقدم في السن.
وبحسب هذه الدراسة، تبيّن أن الخشية من تأثير المرض ترتفع بشكل كبير لدى من تجاوزوا الستين من العمر، مع نسبة وفيات تبلغ 6,4 بالمئة (من بين الإصابات المؤكدة).
وتتضاعف النسبة تقريبا (13,4 بالمئة) لدى من تجاوزوا الثمانين من العمر، وهي مرتفعة إذا ما تمت مقارنتها بنسبة الوفيات في الفئة العمرية ما دون 60 عاما (0,32 بالمئة)، وذلك استنادا الى بحوث أجريت في شباط على مئات المصابين في الصين.
وبيّنت الدراسة نفسها في «ذا لانسيت» أن نسبة الأشخاص الذين يحتاجون الى دخول المستشفى بسبب الإصابة بفيروس كورونا المستجد، ترتفع أيضا مع التقدم في السن: من 0,04 بالمئة لمن هم في العقد الثاني من العمر (10 - 19 عاما)، الى 4,3 بالمئة لمن هم في العقد الخامس (40 - 49)، وصولا الى 11,8 بالمئة بالنسبة لمن هم في العقد السابع (60 - 69)، و18,4 بالمئة لمن تجاوزوا الثمانين.
في الفئة العمرية الأخيرة، تعني هذه النسبة أن مصابا من أصل خمسة سيعاني من عوارض خطرة لدرجة تتطلب إدخاله المستشفى للعلاج.
إضافة الى السن، يزداد الخطر على المصابين في حال كانوا يعانون من أمراض مزمنة (مشاكل في الجهاز التنفسي، أمراض القلب، السرطان، إصابة سابقة بجلطة دماغية...).
وفي تقرير حديث شمل دراسة عشرة آلاف وفاة، عدّد المعهد الأعلى للصحة في إيطاليا الأمراض التي كان يعاني منها المتوفون بسبب الفيروس، وقد توزعت كالآتي: ارتفاع ضغط الدم (73,5 بالمئة)، السكري (31 بالمئة)، أمراض القلب الإقفارية (نقص توريد الأوكسجين الى عضلة القلب، 27 بالمئة).
وفي تحليل نشر في مجلة «جاما» الطبية الأميركية في 24 شباط الماضي، خلص باحثون صينيون الى أن المرض الذي يسببه فيروس كورونا «حميد» في 80,9 بالمئة من الحالات، «خطر» في 13,8 بالمئة، و»حرج» في 4,7 بالمئة.
 
حصيلة محتملة للوفيات
تفضي المقارنة بين حالات الإصابة والوفاة، الى أن «كوفيد-19» يودي بنحو خمسة بالمئة ممن يصابون به، وهي نسبة تختلف بحسب البلدان.
لكن لا بدّ من التعامل مع هذه النسبة بحذر انطلاقا من جهل عدد الإصابات الدقيق. فالعديد من المصابين قد تظهر عليهم عوارض خفيفة أو لا تظهر مطلقا، وعددهم أعلى بكثير من الحالات التي يتم رصدها، ما يؤدي عمليا الى أن تكون نسبة الوفيات الفعلية أدنى مما هي عليه حاليا.
الى ذلك، تعتمد الدول سياسات مختلفة لإجراء الفحوص للتثبت من الإصابة بالفيروس من عدمها، كما أن بعضها لا يجري الفحوص بشكل دوري للحالات المشكوك بها.
ورأى مدير المعهد الوطني للأمراض المعدية في الولايات المتحدة أنتوني فاوتشي في تصريحات أمام أعضاء الكونغرس الأميركي، انه بحال احتساب حالات الإصابة غير المرصودة «ستكون نسبة الوفيات (بسبب «كوفيد-19») نحو 1 بالمئة (...) أي عشرة أضعاف نسبة الوفيات جراء الانفلونزا الموسمية».
وبحسب الدراسة المنشورة في «ذا لانسيت»، تبلغ نسبة الوفيات جراء كورونا المستجد 1,38 بالمئة من الإصابات المثبتة.
لكن قياس خطر أي مرض لا يقتصر على نسبة الوفيات، بل يشمل أيضا قدرة الفيروس على الانتشار. فحتى في ظل نسبة لا تتجاوز واحدا بالمئة، «يمكن لعدد الوفيات ان يكون كبيرا بحال بلغت نسبة الإصابة بين السكان 30 أو 60 بالمئة»، بحسب الطبيب سيمون كوشميز من معهد باستور في باريس.
العامل الآخر الذي قد يزيد من نسبة الوفيات المرتبطة بالمرض الجديد، هو اكتظاظ المستشفيات بالمصابين، ما يعقّد ليس فقط القدرة على معالجة أولئك الذين يعانون من أشكال حادة من «كوفيد-19»، بل معالجة كل المصابين.
 
ما هي العوارض؟
تشير منظمة الصحة العالمية الى أن العوارض الأكثر رواجا «تشمل مشاكل تنفسية، ارتفاع درجة الحرارة، السعال، ضيق التنفس وصعوبته». ويمكن لكل من هذه العوارض أن يظهر بشكل أو بآخر بحسب الحالات، وتطورها قابل للتغير تزايدا أو نقصانا.
العارض الآخر المتداول هو فقدان حاسة الشم والقدرة على التذوق. وبحسب دراسة بلجيكية أجريت على 417 مريضا ثبتت إصابتهم غير الخطرة بالفيروس، ظهرت لدى 86 بالمئة منهم مشاكل في حاسة الشم (غالبيتهم فقدوها بالكامل)، و88 بالمئة مشاكل في التذوق.
وتستمر العوارض عموما لفترة أسبوعين، وقد تمتد أحيانا لأكثر من ذلك، أو تنتهي قبل انقضاء المدة المذكورة. وتشير منظمة الصحة العالمية الى أنه «في الحالات الأكثر حدة، قد تتسبب الإصابة بالتهاب رئوي، أو بمتلازمة جهاز تنفسي حادة، او بفشل كلوي، وحتى الوفاة».
ولم يتم الى الآن اكتشاف لقاح أو علاج، وتقتصر المعالجة على التعامل مع العوارض. لكن بعض المرضى يعالَجون بمضادات الفيروسات أو علاجات اختبارية، علما بأن فائدة ذلك لا تزال قيد التقييم.
 
كيف ينتقل الفيروس؟
ينتقل الفيروس بشكل أساسي عبر التنفس أو التلامس الجسدي.
الانتقال عبر التنفس يحصل من خلال جزئيات اللعاب التي تصدر عن مصاب بالفيروس، على سبيل المثال في حال السعال. ويرى العلماء ان تفادي التقاط العدوى بهذه الطريقة يمكن تحقيقه من خلال إبقاء مسافة فاصلة (نحو متر).
ولتفادي التقاط العدوى، تشدد السلطات الصحية على أهمية اعتماد إجراءات مانعة، مثل تفادي المصافحة باليد أو التقبيل، غسل اليدين بشكل دوري، تغطية الوجه بالمرفق أو بمنديل في حالة السعال أو العطس، ارتداء كمامة واقية في حال الإصابة...
يمكن للعدوى ان تنتقل أيضا في حال الاحتكاك مع غرض ملوث بالفيروس، ثم وضع اليد على الوجه (العينان، الأنف، الفم...). وأظهرت دراسة نشرت منتصف آذار/مارس في مجلة «نيو انغلاند جورنال أوف ميديسين» الطبية الأميركية، أن فيروس كورونا المستجد يبقى لمدة تصل من يومين إلى ثلاثة أيام على الأسطح البلاستيكية أو الفولاذ المقاوم للصدأ، وما يصل إلى 24 ساعة على الورق المقوى.
لكن هذه الفترات القصوى لا تزال نظرية، إذ إنها سجلت فقط في ظروف اختبارية.
وتوضح السلطات الصحية الفرنسية عبر الموقع الالكتروني الرسمي للحكومة، أن «مجرد قدرة فيروس (على البقاء على هذه الأسطح) لا يكفي لنقل العدوى لمن يلمسها. في الواقع، وبعد مرور بضع ساعات، يفنى الجزء الأكبر من الفيروس ويرجح أنه لا يعود معديا».
ولا يزال النقاش قائما حول طريقة انتقال أخرى للفيروس، عبر تنفس مصاب بالقرب من آخرين، لكنها لم تثبت بعد عبر مقاربة علمية.
 
هل يمكن الإصابة مرتين؟
هل يمكن أن يصاب شخص بفيروس كورونا المستجد، ويشفى منه ويخضع لفحص سلبي، قبل أن يتعرض للإصابة مجددا؟ أثارت بعض الحالات في آسيا علامات استفهام بهذا الشأن.
يرى بعض العلماء أن حصول ذلك قد يكون مرده الى أن الأشخاص لم يتماثلوا للشفاء تماما. ويمكن للنتيجة السلبية أن تكون بسبب إجراء الفحص بشكل سيء، أو لأن وجود الفيروس في الجسم كان ضعيفا جدا.
لكن المعطيات الحاسمة بشأن اكتساب الجسم مناعة تجاه الفيروس بعد الإصابة به، لا تزال غير متوافرة. استنادا الى التجارب التي وفرتها أوبئة أخرى، يرى المتخصصون أن الشفاء يعني اكتساب مناعة ضد الفيروس لفترة موقتة على الأقل، على رغم أن ذلك غير مثبت بعد.
في أي حال، لا تزال مدة هذه المناعة غير واضحة، لكن ذلك يعد تفصيلا مهما في الوضع الحالي، لأنه سيحدد قدرة الناس على العودة الى حياتهم الطبيعية من عدمها.
ويوضح مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن أنه «في حال تبين أن الشخص (المصاب) يكتسب مناعة لفترة طويلة، على سبيل المثال بين 12 و24 شهرا، يمكنه إذن العودة الى الأماكن العامة باطمئنان تام حتى في حال كان الفيروس لا يزال متفشيا (...). في المقابل، وبحال كانت فترة المناعة قصيرة جدا، يمكن لشخص سبقت إصابته، أن يلتقط العدوى مجددا بشكل سريع بعد شفائه».