الاحتياطي الفيدرالي يُواجه مخاطر انفصال تضخمي عن الخزانة

اقتصادية 2020/05/09
...

ريتش ميلير  ترجمة: شيماء ميران
 
من الصعب القيام بالانفصال، فقد شكلَّ فيروس كورونا تحالفا غير مرجح بين وزارة الخزانة لحكومة دونالد ترامب والبنك المركزي الذي غالبا ما سخِر منه.  ويجدد التقارب الوثيق المخاوف بشأن استقلالية الاحتياطي الفيدرالي على المدى الطويل.
وبالاصرار العلني، ارتفع الاقتراض الحكومي بشكل كبير خلال الازمة، ليتمثل القلق الرئيسي في أن سياسة الاحتياطي الفيدرالي ستكون في النهاية بحاجة لإدارة تكاليف ذلك الدين – ما يمنع البنك المركزي من إتخاذ اجراءات مثل رفع اسعار الفائدة، وذلك ما قد يتطلبه الاقتصاد.
 
المنفق الرئيسي
قام الاحتياطي الفيدرالي منذ تفشي الجائحة بشراء سندات بوتيرة قياسية، وهو ما جعل كبير الاقتصاديين السابق في البيت الأبيض غلين هوبارد والذي يعمل حاليا في كلية الاقتصاد الكولومبية يتساءل: " هل وزارة الخزانة والاحتياطي الفيدرالي منفردان ام متحدان ام منفصلان.  
نحن نقرأ بنودا يقرها وزير الخزانة ورئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي.  واعتقد هذا رائع جدا، لكني مهتم اكثر بالعوامل المؤسسية، وهناك ما يقلقني فعلا".
 
الكثير من الديون
هذه المشكلة المعروفة من قبل الاقتصاديين بالهيمنة المالية، تُلزم محافظي البنوك المركزية في الحالات القصوى بتجهيز الحكومة بكل السيولة النقدية التي تطلبها، وهذه الطريقة معروفة تاريخيا للتضخم السريع.
ولا يشكل هذا قلقا في الازمة الاقتصادية الحالية، إذ يرى معظم الاقتصاديين والمستثمرين ان الانكماش هو التهديد الاكبر، ويتوقعون استمرار هذه الحالة لفترة من الزمن، ويرحبون بجهود الاحتياطي الفيدرالي ووزاة الخزانة لتقليل الاضرار ومنها الزيادة الكبيرة في الدين العام.
لكن بعض المختصين بالسوق المالية يرون ذلك سببا يدعو الى القلق مما يخبئه الغد.
في نيسان الماضي، تحدث كبير الخبراء الاستراتيجيين العالميين في JPMorgan ‎لإدارة الأصول ديفيد كيلي لردايو بلومبيرغ قائلا: " عندما نخرج من هذا سيكون لدينا الكثير من الدين والطلب. وما ان يحدث التضخم سيبدأ الناس بالشك في قدرات الاحتياطي الفيدرالي للسيطرة عليه".
ومع توقع ارتفاع ديون الخزانة العامة لاكثر من 17 تريليون الشهر الماضي، فإنّ اي زيادة بسيطة في اسعار الفائدة سيكون لها تأثير سلبي على المالية الحكومية.
والى جانب العمل الحثيث مع وزارة الخزانة لإعداد برامج إقراض عاجلة للمقترضين الذين تعرضوا الى ضربة قوية بسبب ازمة الفيروس، خفض الاحتياطي الفيدرالي وعلى نحو فعّال اسعار الفائدة قصيرة الاجل الى الصفر، وشرع في فورة شراء السندات. 
فضلا عن انه قد يتبنى ستراتيجية معروفة باسم التحكم بمنحنى العائد، والتي تهدف الى وضع حد اقصى لاسعار الديون الحكومية طويلة الامد.
 
تغيير تاريخي
مثل هكذا سياسات تساعد في الحد من تكاليف الإقراض بالنسبة لوزارة الخزانة، إذ تسهم في رفع التوقعات في ان يكون عجز الموازنة قياسيا الذي سيبلغ ما يقارب 3.7 تريليونات دولار لهذه السنة المالية. يرى كبير مديري المحفظات المالية في شركة بلاك روك "جيفري روزينبيرغ" اوجه التشابه مع الحرب العالمية الثانية وما اعقبها، وهي المرة الاخيرة التي نما فيها الدين الحكومي بهذا الحجم فيما يتعلق بالاقتصاد.  ففي ذلك الوقت وافق الاحتياطي الفيدرالي على ربط اسعار الفائدة على سندات الخزانة، 3/8 بالمئة على الفواتير و2.5  بالمئة على سندات الثلاثين سنة لتساعد على تمويل المجهود الحربي.
قال روزينبيرغ‏ لراديو بلومبيرغ الشهر الماضي": ما شهدناه هنا هو مجرد تغيير هيكلي تاريخي في العلاقة بين الاحتياطي الفيدرالي والسياسية المالية.  وهذا كله يهدف الى تأمين اسعار الفائدة التي ستدفعها الحكومة لتمويل التضخم المالي الذي شهدناه لمحاربة الجائحة.  ويبدو انه سيبقى العامل الرئيس في تحديد الفوائد بدلا من شكل الانتعاش الاقتصادي".
لقد استغرق الاحتياطي الفيدرالي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية مدة من الزمن حتى عام 1951 لتحرير نفسه من قبضات وزارة الخزانة، وكان التضخم حينها يفوق تسعة بالمئة.
 
التفكير بجدية
يؤكد كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي أوليفييه بلانشارد ان نمو الدّين الحكومي ربما يجعل الاحتياطي الفيدرالي يفكر بجدية اكثر بشأن رفع اسعار الفوائد مستقبلا، لكنه ليس قلقا بشأن ذلك تحديدا.
يقول بلانشارد: "سيكلف الامر حقا فقدان الاستقلالية نهائيا بسبب التغيير في رئاسة البنك المركزي لهذا السبب تصبح المسألة رئيسية". وذلك ليس بعيد المنال، فالسنوات الاربعة لرئاسة "باول" لمجلس الاحتياطي الفيدرالي تنتهي في شباط  2022، وترامب يُظهر تفضيلا في محاولته تعيينه لمؤيديين سياسيين في البنك المركزي، رغم ان الرئيس بحاجة طبعا الى ان يفوز بإعادة انتخابه في تشرين الثاني المقبل.
ومع تضخم أقل من النسبة المستهدفة لسنوات بـ 2 بالمئة، قد يرحب باول وزملاؤه ببعض الزيادة في ضغوط الاسعار.  لكن هذا لا يعني انهم يرمون بالحذر في مهب الريح.
يقول نائب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي السابق والاستاذ في جامعة برينستون " آلان بليندر) : "يوجد هناك الكثير من السيولة التي كانت وما زالت تُخلق . وعندما يبدأ الاقتصاد استعادة وضعه الطبيعي، سيكون احد تحديات الاحتياطي الفيدرالي هو كيفية سحب تلك السيولة بوتيرة معقولة.  انا لست قلقا بشأن خروج التضخم من هذه الحلقة لكنه ليس مستحيلا، فالكثير من المال يلاحق القليل من البضائع، هناك شيء مبتذل".
عن موقع بلومبيرغ