القوي والضعيف

الصفحة الاخيرة 2020/05/10
...

عبدالهادي مهودر
 
ماذا نريد ان يكون رئيس الحكومة .. البعض يريده قويا والبعض الآخر يريده ضعيفا .. وفي السياسة عادة ما يختارون الضعيف فينقلب عليهم ويدركون انه أسد في ثوب حمل وديع او العكس يختارون قويا فيصدمهم بهوانه وضعفه ، وبعضهم إن أكرم أشبع وإن ضرب أوجع فالسلطة عزيمة او هزيمة ولاتوجد منطقة وسطى وإن وجدت فهي وقت ضائع من عمر الشعب والدولة ..وظن البعض ان القوة في الضعف وهو ظن آثم ومقولة تطير العقل من مكانه ، وعلى مدى سنوات العملية السياسية اختار الأقوياء الضعفاء لغايات ومآرب بينما كان الشعب مجبرا على إختيار الأقرب طائفيا او قوميا او دينيا بسبب تغذيته بالمخاوف وماعلق في ذاكرته من زمن الخوف دون النظر الى قدراته وكفاءته ولذلك حصلت الكثير من الصدمات والمفاجآت السيئة والحميدة فكثير من المسؤولين انقلبوا بعد توليهم السلطة ومن كنا نظنه ضعيفا أصبح غولا والعكس صحيح ، والقوة عند السياسي ليست عضلات مفتولة ولابسطة في الجسم وانما هي قوة في أخذ الحق وتقدير المصلحة العامة وفي التشخيص وسرعة في المعالجة وقدرة فائقة على اتخاذ القرار في الوقت الصعب والصحيح وبراعة في التنبؤ وإستباق الحدث قبل وقوع الفأس في الرأس، وطالما كان عامل الوقت حاسما وفيصلا بين الأقوياء والضعفاء رغم انهم جميعا يعلمون ان الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك لكن قليل منهم من أدرك ان هذه الحكمة هي حقيقة وليست مجاز ا وهي تحذير وليست مزحة وإن الساعة التي تمر لاتعود عقاربها الى الوراء والسيف القاطع يقترب من حز الرقاب انتقاما وثأرا لتضييع الوقت القاتل بعد النصيحة. ان عمر الحكومات قصير جدا وكل لحظة تمر هي فرصة تضيع ولاتعود ابدا وتمر مر السحاب ، وخير الحكومات هي حكومات الفعل والمبادرة والقرار في وقته وقبل فواته وأضعفها حكومات رد الفعل بعد فقدان السيطرة وزمام المبادرة ..وخير الشفاه التي تعصي واسوأها تلك التي دوما تقول بلا ... 
الرئيس يحكم يوما او بعض يوم فالعمر الإفتراضي اربع سنوات في احسن الأحوال وليس اربعين سنة ، وجميعهم ايضا قرأوا او سمعوا ( خذ الكتاب بقوة ) كما اراد الله من نبيه يحيى حين آتاه الحكم صبيا كما اراد من كل انبيائه ورسله مهما بلغوا من العمر عتيا لأن القوة في نظر الله القوي المقتدر تكمن في العقل والقلب الشجاع وليس في الساعد ولا بقبضة الكف ولا بالصوت والصراخ والمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف .. 
والحاكم الذكيمثل الفلاح الذكي الذي يزرع المحاصيل التي تعطي أسرع في وقت أقل ويحصد في كل أوان وفي مساحات أخرى يزرع المحاصيل البطيئة التي لاتنضج بسرعة فلا يهمل هذه ولاتلك ويعطي لكل طالب رغبته .. وبعض الفلاحين يزرعون ( الرشاد ) وبعضهم يزرعون ( الكرفس) وبعضهم يجمع هذا وذاك حتى لايخسر كل شيء .. وبعضهم يحصد مازرع غيره بشطارة وفهلوة وبعضهم يزرع جيدا ولكنه يترك لغيره ثمرة الحصاد ، وبعضهم كالمرأة الحامل التي حملت فلما أتمت أملصت ومات قيّمها وطال تأيمها وورثها أبعدها .. وبعضهم يحسن فهم الرجال وبعضهم من يضيعونهم او يقرب إليه من يعتقد انه ينفعه فيضره ، وعين الولاء الأعمى والرضا والسخط تعمي البصيرة عن تقدير الرجال.. 
وعين الرضا عن كل عيبٍ كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا .. كما ان عامة الناس ايضا يخطئون كثيرا في التقدير والتقييم مابين القوي والضعيف مثلما نخطئ بتمييز الحق من الباطل. سُئل الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ( مَن أشدُّ جند الله؟ ) قال: الجبال، الجبال يقطعها الحديد، فالحديد أقوى، والنار تذيب الحديد، فالنار أقوى، والماء يطفئ النار، فالماء أقوى، والسحاب يحمل الماء، فالسحاب أقوى، والرِّيح تعبث بالسَّحاب، فالريح أقوى، والإنسان يتكفَّأ الريح بيده وثوبه، فالإنسان أقوى، والنوم يغلب الإنسان، فالنوم أقوى، والهم يغلب النوم، فأقوى جند الله هو الهمُّ, يُسلِّطه الله على من يشاء من عباده).. وكتب الجواهري عن القوة الرقيقة الناعمة التي تتجاوز الصخور الصم دون خسائر : كونوا كرقراقٍ بمدرجة الحصى يتسرب تأتي الصخور طريقه فيجوزهن ويذهب.. وهو المطلوب .