عن بيانات كورونا والسياسة

الصفحة الاخيرة 2020/06/03
...

زيد الحلّي
 
شكل الضحك مبحثاً في الفلسفة، ويبقى الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون، الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 1927، فيلسوف الضحك بامتياز، فهو صاحب كتاب "الضحك" الذي يقول فيه "إن النفوس الجامدة، لا تعرف ولا تفهم الضحك ، جربوا للحظة الاهتمام بكل ما يُقال وكل ما يجري، وتصرفوا بالخيال.. سترون الأشياء الأكثر خفة تتخذ وزنا.. ابتعدوا بأنفسكم، شاهدوا الحياة كمتفرج لا مبال.. كثير من المآسي تتحول إلى كوميديا".. 
كانت هذه الصورة التي تبعث على الأسى الضاحك امامي ، وانا اشاهد التلفزيون في قنوات عراقية وعربية من خلال بعض برامج العيد او رمضان وما بعدهما ، ففي حين تشارك او يشارك مقدم البرنامج من يلتقيهم الحديث بضرورة عدم التجمع واهمية التباعد الاجتماعي ، نجد ان الصورة التي امامنا تمثل تجمعاً عشائرياً او "مناطقياً" كبيراً ، وفي مرات عديدة شاهدتُ احدهم يقبل الاخر، ويأخذه بالأحضان ، و يرتشفون القهوة من فنجان واحد ، و"الشرابت" من قدح واحد ، ويتدافعون امام الكاميرات ، بالرغم من ان اللقاء مخصص للحديث عن اخطار مرض " كورونا" 
اما القاء البيانات الرسمية بشأن " كورونا " من بعض مسؤولي الصحة ، او السياسة من رجال البرلمان والدولة ، التي نشاهدها على التلفزيون ، فهي تجري وفق "طقوس" تجمع اشخاصا عدة ، احدهم جنب الاخر الى حد الالتصاق ، فيما هم يدعون المواطنين في بياناتهم الى ضرورة التباعد وعدم التجمع وبعضهم نشاهدهم بلا كمامات ولا كفوف ..! 
فهل اسمي ذلك ضحكاً فلسفياً؟ 
أعرفُ أنه ليس من مهام الاعلام زيادة رقعة الهلع والخوف والرعب من فيروس "كورونا" في المجتمع، لكن من الخطأ البليغ ايضاً اغفال الحقائق عن المواطنين، فهذا المرض انتشر بسرعة هائلة وزادت الاصابات به، وينبغي علينا كإعلاميين الاشارة الى ذلك من خلال تكثيف الدعوات لتحجيمه قدر الامكان، بنشر اساليب الوقاية والارشادات الصحية ونكون امثلة واسوة حسنة امام المشاهدين ، لكن البعض مع الاسف لم يرتق لمستوى الخطر المحدق، لا سيما المسؤولون الذين يكثرون من الظهور الاعلامي ناسين ان الدكتور "تيدروس" مدير عام منظمة الصحة الدولية ذكر مرارا ان مرض كورونا لا ينبغي الاستهانة به و"ليس ثمة دولة واحدة بعيدة عن المرض.. فهذا الفيروس لا يحترم الحدود ولا يفرّق بين الأجناس والأعراق ولا يهمه حجم الناتج المحلي الإجمالي في الدولة ولا مستوى التنمية".
لقد قيل لنابليون يوماً: إنَّ جبال الألب الشاهقة تمنعك من التقدم، فقال: يجب أن تزول من الأرض!! 
هذا القول اصبح رمزاً نشاهده يومياً من خلال البيانات الصحية والسياسية ، حيث نرى معظم المسؤولين غير مكترثين للأخطار التي يسببها الاختلاط المباشر، وعدم اتخاذهم وسائل الحيطة المتمثلة بالكمامة والكفوف ومن خلال تراصفهم امام الكاميرا، فالجائحة لا تعرف مسؤولاً أو مواطناً بسيطاً، فهي ليست محل عناد، بل صخرة جلمود تدحرجت على العالم والابتعاد عنها هو الحل الوحيد، وما زال في بالي قول لميخائيل نعيمة يؤكد فيه أنَّ (التردد ضعف ينجم عن خوف الندم في المستقبل). فلا تصلوا الى مرحلة ندم لا يحمد عقباه. انتبهوا الى ظهوركم التلفزيوني. فأنتم مثال للجمهور.. 
فهل وصلت الرسالة.. أم هي مجرد هواء في شبك..؟