قانون التأمينات الاجتماعية

اقتصادية 2020/06/05
...

محمد شريف أبو ميسم 
 
في تشرين الثاني 2017 أثيرت ضجة اعلامية كبيرة بعد اقرار مجلس الوزراء قانون التأمينات الاجتماعية، وتواصلت هذه الضجة مع موجة من الرفض تبنتها جهات عديدة بشأن هذا القانون حتى تم تعطيل قراءته، وترحيله للدورة البرلمانية التي جاءت في
2018 .  
وباختصار فان هذا القانون يوحد جملة من القوانين الخاصة بالتقاعد في نص واحد، ويجعل حق الحصول على الراتب التقاعدي مكفولا لكل الفئات المجتمعية في حدود تتراوح في حدها الأدنى بـ400 ألف دينار وفي حدها الأعلى 850 ألف دينار بعد دفع التأمينات التقاعدية لسنوات الخدمة العامة أو الخاصة. بمعنى ان من يعمل في القطاع الخاص أو حتى في فعاليات اقتصاد الظل، يكون له حق الحصول على الراتب التقاعدي بعد أن يدفع التأمينات التقاعدية لصندوق التقاعد بنسبة 7.5 بالمئة من مدخولاته الشهرية التي يدعي الحصول عليها. 
وبحسب سنوات الخدمة التي يقررها، وهذا الأمر ينسحب على ربات البيوت بحسب ما ورد في نص القانون، في ما يدفع موظف الخدمة العامة 10 بالمئة من دخله الشهري خلال سنوات خدمته، وتتكفل الدولة بسداد 15 بالمئة من التأمينات التقاعدية عن العاملين في القطاع العام والخاص لصالح صندوق التقاعد، وهنا نترك للقارئ أن يقدر المبالغ التي ستدخل صندوق التقاعد شهريا بعد أن يتقدم الملايين من العاملين في القطاع الخاص والحرف والمهن غير المسجلة وربات البيوت بطلبات الحصول على التأمين التقاعدي.
ان هذا القانون الذي يلغي الامتيازات التقاعدية للقوانين الخاصة، لا يؤسس لبيئة العدالة الاجتماعية وحسب، وانما سيكون محفزا باتجاه انتظام علاقات السوق ونهاية الفوضى وجعل الوظائف في القطاع الخاص على درجة من المقبولية لقوى العمل الضاغطة على القطاع العام. 
وسيكون بداية حقيقية لاقتصاد يقوده القطاع الخاص، والحد من فعاليات اقتصاد الظل، فضلا عن دوره غير المباشر في زيادة الايرادات غير النفطية في الموازنة العامة، اذ سيحد من التهرب الضريبي في جميع الفعاليات الاقتصادية، بعد أن يطالب كل من يعمل في مشروع كبير أو صغير بالتسجيل، ودون ذلك لن تجد هذه المشاريع من يعمل فيها ما لم يتم تسجيله وبالتالي دخول كل المشاريع في سجلات الدولة بضغط من العاملين فيها، وسيسهم أيضا في انتظام سوق العمل وفق الآليات التي حددها قانون العمل وبما يضمن ظروف عمل مناسبة وحقوقاً توازي ما يتمتع به العاملون في القطاع العام، مع ايقاف حالة الاستنزاف الناجمة عن الفوارق الكبيرة في الرواتب التقاعدية للمناصب الكبيرة والدرجات الخاصة وبعض الوزارات والهيئات التي يتمتع منتسبوها برواتب وامتيازات عالية أثناء الخدمة وبعدها دون غيرهم، وسيسهم في تحقيق الاستقرار النقدي والحد من حالة التضخم، وفوائد أخرى كثيرة لا مجال لحصرها هنا. الأمر الذي يثير التساؤل بشأن اهمال تشريع هذا القانون المهم والذي يمكن أن يحقق أهدافا كثيرة يسعى لها الجميع في  الظرف الراهن.