إصلاح قطاع الطاقة مفتاح الحل

اقتصادية 2020/06/07
...

علي الصفار
ترجمة: شيماء ميران
يواجه الاقتصاد العراقي اليوم ازمة كبيرة بسبب تأثير جائحة (كوفيد – 19) على سوق النفط العالمية، وبالتأكيد هو بحاجة ماسة لإصلاح قطاع الطاقة، ومع بدء الحكومة العراقية الجديدة معالجة قائمة التحديات الكبيرة والطويلة التي تواجهها، ابدت الوكالة الدولية للطاقة استعدادها لدعم الدولة في جهودها لسن قوانين الإصلاحات التي ستساعد قطاع الطاقة والاقتصاد على استغلال إمكاناته الهائلة.
كان للصدمة المزدوجة من التناقص الحاد في الطلب على النفط بسبب الجائحة والزيادة الكبيرة في العرض تأثير مباشر في الدول المنتجة للنفط التي تعتمد على إيرادات الهيدروكربونات في تمويل وتغذية ميزانيات واقتصادات بلدانها. ويعد العراق احدى الدول المنتجة الاكثر تأثرا خلال الفترة الطويلة من الانخفاض النسبي في اسعار النفط لاعتماده شبه التام على هذه الإيرادات وقلة احتياطاته المالية. 
وسينخفض صافي إيراداته من النفط الى ما لا يقل عن 70 بالمئة مقارنة بالعام الماضي في حال استمرت اسعار النفط بمستوياتها الحالية. كما سيعاني عجزا كبيرا ما يقارب 3.5 مليار دولار شهريا لدفع الرواتب والمعاشات فقط ولتغطية النفقات الحكومية الضرورية. وتشير احدث توقعات البنك الدولي الى ان الاقتصاد العراقي سيتقلص بنسبة 10 بالمئة هذا العام، وان إتساع عجز حسابه الجاري سيكون من بين الاشد خطورة في العالم.
 
تساؤلات مهمة
اما بالنسبة لقطاع الطاقة في العراق الذي يمثل حجر الاساس في اقتصاده يبرز سؤالان رئيسان، اولهما ما تأثير انخفاض الاسعار على صناعات الطاقة في العراق؟، وما الدروس التي يمكن ان توجه العراق اثناء استجابته لهذه الازمة وسعيه لضمان الاستعداد بشكل افضل امام تقلب اسعار النفط مستقبلا؟.
تقدم استجابة العراق خلال دورة أسعار النفط السابقة دلائل قوية حول التدابير التي من المرجح ان يتخذها للتعامل مع ازمته الحالية. إذ كان رد فعله عند هبوط اسعار النفط العالمية عام 2014 هو خفض الانفاق الاستثماري، وظلت آثار تلك الخطوات ملموسة حتى عام 2019 عندما بقت موازنة الحكومة الوطنية اقل من عشرين بالمئة مما كانت عليه عام 2013. وأثرت محدودية مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد على التقلص الكبير في إنفاق القطاع العام على جميع الخدمات الاساسية تقريبا، إذ اجلّت السلطات الاستثمارات في الطرق والمستشفيات والمدارس. 
ولم يكن قطاع الطاقة محصنا امام تلك التراجعات، فكان متوسط الميزانية المالية السنوية المخصصة لوزارة النفط اقل من الخمس في الفترة ما بين 2018-2015 عن ما كانت عليه عام 2013، ما أثر في قدرة العراق في مواصلة اهدافه طويلة الامد لتطوير النفط والغاز. كما ان التأثير على وزارة الكهرباء كان أشد، إذ انخفضت ميزانية الانفاق الإنتاجي اكثر من ستين بالمئة مقارنة بمستوياتها عام 2013.
 
خطط استثمار مؤجلة
هناك دلائل اولية على ان تراجع اسعار النفط الحالية سيؤثر فعلا في الموازنات المالية للبلاد. وطالما لم تتم الموافقة على موازنة الحكومة لعام 2020 ، سيتم تقليص انفاقها عند مستوى مقسم بنسبة 1/12 من الإنفاق المحقق من العام السابق. وهناك اشارات على تأجيل جميع الاستثمارات المالية التي خططت لها وزارة الكهرباء لهذا العام الى إشعار اخر. وهذا يعرّض الكثير من الاستثمارات الضرورية في الشبكة للخطر، ما يعني ان الخسائر في النقل والتوزيع هي الاكبر في العالم، وتؤثر على ما يقدر بسبعة آلاف ميغا واط من توسيع سعة التوليد المخطط لها وهي اكثر من خمسة آلاف ميغا واط لتوربينات الغاز ذات الدورة المركبة، و1700 ميغا واط من مصادر الطاقة المتجددة.
 
إصلاح التعرفة
تشير حركة سوق النفط الحالية الى انه ليس من الحكمة وضع اساس لستراتيجية إصلاح اقتصادي على امل استعادة اسعار النفط عافيتها قريبا. وهناك عدد محدود من الادوات السياسية التي يمكن للعراق ان يسحبها لدعمه في وضعه الحالي، كدعم الكهرباء مثلا الذي يُكلف الدولة ما يقارب 12 مليار دولار سنويا، اي ما يعادل إجمالي عائدات الشبكة بالاسعار الحالية لخمسة اشهر تقريبا، وهذا العبء ثقيل جدا خصوصا عندما تكون الصحة المالية للدولة بالضعف الذي هي عليه الان. اذن هناك عدة اسباب لأولوية إصلاح عاجل ومدروس ودقيق للتعرفة وتنفيذها جيداً.
اولها، سيساعد على توليد الإيرادات لقطاع بات معسرا لعدة سنوات، ما يتيح المزيد من الموارد الحكومية لإعادة استثمارها في النظام. ثانيا، إصلاح التعرفة في إرسال إشارة سعرية يمكن ان يخفف من ارتفاع المعدل الحالي لتنامي الطلب على الكهرباء، الذي كان يتزايد بمعدل عشرة بالمئة سنويا. وان إصلاح كهذا مهم لتعزيز قطاع كهرباء اكثر استدامة من خلال تخفيف التنامي وتحفيز زيادة العرض الذي سيوفر في المقابل الطاقة اللازمة لإنعاش اقتصادي اوسع.
مفتاح الازدهار الاقتصادي
قد يفكر العراق في حوافز جديدة لحث الاستثمار الخاص في مشاريع الغاز الطبيعي، فالنمط الحالي الذي يفضل التمويل الحكومي لمشاريع البنى التحتية الضخمة عبر القطاع، يشكل عائقا مرهقا في اوقات تراجع إيرادات النفط، ما يضع المشاريع المهمة بالنسبة للتنمية الاقتصادية في العراق امام خطر التأجيل الطويل. ويمكن للعراق ان يبحث آليات تسمح للمستثمرين بتسويق وتصدير السوائل التي يمكن ان تُنتزع من الغاز الطبيعي الذي يُحتجز من العمليات النفطية، وبما ان معظم هذا الغاز لم يستخرج بعد او يتم حرقه حاليا، فان استخدامه المربح قد يزيد من الرغبة لاستثماره، خصوصا عندما تحافظ اسعار الغاز الطبيعي المحلي على انخفاضها النسبي. 
وبالكاد كان هناك امام العراق وقت عاجل لمتابعة إصلاحاته المهمة في قطاع الطاقة لضمان استمرار الاستثمار حتى عندما تضررت إيرادات الحكومة بسبب انخفاض اسعار
 النفط. 
وان البديل المتمثل باستمرار الاعتماد على تمويل الدولة المباشر للمشاريع الضخمة يزيد من مخاطر تأجيل تلك المشاريع. ونظرا لاهمية كل من الغاز الطبيعي والكهرباء في إزدهار الاقتصاد العراقي، ينبغي تجنب هكذا تأجيلات مهما كان الثمن. لانهما يملكان مفتاح التنويع الذي يجعل العراق اكثر مرونة مع تغيرات اسعار النفط 
مستقبلا.
 
عن موقع الوكالة الدولية للطاقة