الأرقام المتزايدة التي تعلنها وزارة الصحة والبيئة عن اعداد المصابين والمتوفين تشبه حالة استمرار القصف المدفعي المميت من طرف واحد مع استمرار بقاء المدنيين في العراء تحت القصف دون وقاية واحتماء بالملاجئ ومنح العدو فرصة انتصار مجانية وتمكينه من قنصهم واحداً بعد الآخر ..وفي ظل هذا الوهم بالأمان الزائف يحقق فيروس كورونا كل يوم انتشاراً وتوسعاً وتقدماً عددياً ونوعياً جديداً في اختيار ضحاياه من مستوى اطباء ورياضيين وإعلاميين.
هكذا يبدو المشهد اذا أردنا تقريب الصورة واختصارها مع تخطي الاصابات بفيروس كورونا عتبة الألف الأولى الى 252 إصابة موزعة بشكل مخيف بين الرصافة والجسرِ ، حيث الكرخ (165) والرصافة (498) وصولا الى (149) إصابة في البصرة وفي كل المحافظات بما فيها الانبار (7) وصلاح الدين (2) ووفاة 33 مواطنا عراقيا ،لا ينظر الفيروس الى هوياتهم وانما يتسلل الى أجهزتهم التنفسية ويقضم الرئتين قضم الإبل نبتة الربيع ، ولابد هنا من حديث الأرقام المرعب في بيانات الحرب فقد تجاوز مجموع الإصابات(11098) والوفيات(318) والراقدين (5876) ، وستون يواجهون الموت في العناية المركزة ، دون ذكر ارقام الناجين من الموت لأنها حالات تعاف لخسائر واصابات في صفوفنا، ومع كل هذه الأرقام الصادمة تبرز بقوة عبارة التكذيب والتجهيل وتغييب العقول: ( ماكو كورونا ) التي يطلقها مواطنون أقل ما يقال عنهم أنهم يشاركون العدو في قتل واصطياد العراقيين دون قصد وشعور بالذنب ولا خوف من حساب، والغريب في الأمر ان هذا الصنف المروج لنفي وجود الوباء لا يريد التصديق إلا اذا رأى الفيروس بالعين المجردة وأصاب أحد أفراد اسرته، حتى ان أحدهم تساءل عبر تقرير تلفزيوني عن سبب عدم إصابة أي شخص من أقربائه ولماذا لم يصلهم كورونا حتى الآن، إنْ كنا صادقين؟!
ومع نشر أرقام الإصابات والوفيات بشكل يومي لا يشعر المشككون بوجود الوباء باقتراب الخطر رغم انه يصيب عن بعد أخوة لهم في المحافظة او الوطن او الإنسانية لكنهم بحاجة الى دليل قاطع مثل إصابة الجار والصديق والشقيق والابن والبنت والأعمام والاخوال ورئيس العشيرة، وبعضهم يذهب الى ما هو أبعد ويرى أن كورونا مؤامرة على أمتنا العظيمة التي منعتها المؤامرات من التوصل لإي اختراع طبي وعلمي وتكنولوجي .. ومازال هذا الصنف المنكر للحقيقة القاتلة والمنطق يبحث عن دليل على وجود الوباء في نفسه وعياله وأقربائه ، حاله حال ذلك الواعظ الديني الذي اعتقد ان كورونا عقاب إلهي يصيب المنحرفين ولا يصيب المؤمنين وحين أصابه سكتَ ولم يعقب!
لا نتمنى ان يجد هؤلاء الدليل الذي يبحثون عنه في أنفسهم وأحبائهم لأن الندم لن يكون مجديا بعد الصدمة ووقوع الفأس في الرأس لكن ما نتمناه ان يؤمن كل عراقي بأن الصحة والوقاية ليستا ملكا وحقا شخصيا فقط وإنما نحن أعضاء في منظومة متشابكة تسمى المجتمع والصحة العامة ، واننا كعراقيين وبشر ركّاب عابرون في مركب واحد وليس من حق أحد التصرف على هواه وثقبه من تحته، وان عدم التصديق و الاكتراث ليس قراره الشخصي المستقل ولا يدخل في باب حرية الرأي والتعبير التي أسأنا لها كثيرا وأصبحت حرية تدمير وتشهير، فحتى الحرية الشخصية تقف عند حدود الآخرين ولا تتعداهم.
لا نتمنى للباحثين عن دليل على وجود الفيروس ان يجدوه بالطريقة الخاطئة التي يتداولونها وبالجدل العقيم الذي يخوضون فيه والدليل الذي يطلبونه برؤية الفيروس بالعين المجردة وحصرا حين يصيب قريبا لهم بالضربة القاضية، فالمعاند لا يواجه الدليل بالدليل وانما العناد لأجل العناد ويستطيع ان يبرر ويفلت في الوقت الذي يشتهي فهو لا يكترث لحياته وحياة اسرته فكيف يهتم بجدية النقاش وحكم العقل والمنطق فكيف أقنعه وأثبت له وجود كورونا بعد كل هذا الموت والبلاء؟!.
سأل معلم تلميذه هل أنَّ الثعلب يلد أم يبيض؟ فأجابه التلميذ: والله يا أستاذ أنت تعرف أنَّ الثعلب ماكر ويمكن أنْ يفعل الاثنين معاً.