وداعاً أيتها العولمة!

قضايا عربية ودولية 2020/06/09
...

محمد صالح صدقيان 
 
لم يفاجئ الرئيس الأميركي دونالد ترامب أحداً عندما نعى "العولمة" بالفناء بعد تفشي فيروس كورونا في بقاع الأرض وقال إنَّ عصر "العولمة قد انتهى". من غير الطبيعي أنْ ينسى الرئيس ترامب أنَّ الرأسماليَّة الليبراليَّة التي تقودُ النظام الاقتصادي العالمي بمحورية الولايات المتحدة هي التي قدمت "العولمة" للعالم على طبقٍ من ذهب على أنها الطريقة التي تصبح بها البلدان أكثر ترابطاً اقتصادياً وثقافياً، وهي التي بشرت بها لتأثيرها المباشر في الرفاهيَّة والاقتصاد في مختلف بقاع العالم، وهي التي فتحت الأسواق العالميَّة أمام إنتاج الشركات العملاقة بوصفها توفر على المستهلكين المزيد من الأموال بجودة أكثر.
في العام 1996 أنشئت منظمة التجارة العالميه كإحدى آليات "العولمة" لتنظيم الاتفاقيات الدوليَّة بما يتناسب مع التوجه الجديد للرأسماليَّة الليبراليَّة التي أرادت الهيمنة على اقتصادات الدول المختلفة والقضاء على المنتج الوطني والسلعة الوطنيَّة. واللافت إنَّ هذه "العولمة" تمددت لتشمل الجوانب الثقافيَّة والاجتماعيَّة التي قدمت الكثير من المفاهيم والثقافات والسلوك على أنها الثقافة الجديدة التي يجب أنْ تسلكها الشعوب.
وفي حقيقة الأمر فإنَّ "العولمة" لم تكن سوى مرحلة من مراحل السياسة التي انتهجتها الولايات المتحدة بعد الحرب العالميَّة الثانية التي أعلن عنها الرئيس الأميركي "ويلسون". ويقول المفكر الأميركي ناعوم تشومسكي إنَّ هذه السياسة تقول "ما لدينا نخفيه عن الآخرين، ونغلق الباب في وجوههم، وما ليس لدينا نطلبه من الآخرين من خلال فتح الباب بالقوة في ظل المنافسة الحرة". ويضيف في كتابه (أوهام الشرق الأوسط) أنَّ "هذا هو الأسلوب الذي تدار به (سياسة التجارة الحرة والباب المفتوح) التي استندت عليها (العولمة)".
الرئيس ترامب قال في مقابلة مع "فكس بزنز" الأسبوع الماضي إنَّ "أزمة كورونا أثبتت لمعارضيه صحة سياسته القائمة على أساس أميركا أولاً".
الرئيس ترامب عندما قال "أميركا أولاً" أطلق رصاصة الرحمة على "العولمة" وعلى آلياتها أمثال منظمة التجارة العالميَّة، مستغلاً "جائحة كورونا" ليعلن إفلاسها وفشلها في تحقيق أهدافها.
الآن العالم يتحدث عن عالم "ما بعد كورونا" عالم تراجعت فيه قوانين العولمة واقتصاداتها لصالح نظام عالمي جديد لا يعتمد على القطبيَّة الواحدة التي سادت منذ سقوط جدار برلين وانهيار الحرب البادرة.
نحن نتحدث عن مستقبل تبحث فيه الدول عن ذاتها، عن مسؤوليتها في حماية نفسها، في تأمين الأبحاث التي تستطيع أنْ تؤمن أمنها الغذائي، أمنها الإنساني، أمنها الصحي، أمنها الثقافي وأمنها السياسي. وفي هذه الحالة فإنَّ البقاء - كما يقول طلال أبو غزالة – ليس للأقوى وإنما لذلك الذي يستطيع التأقلم والتغير.
لا أدري هل أنَّ العولمة سببت انهيار الوضع الاقتصادي العالمي؟ أم انه العكس؟، لكن ما أدريه أنَّ اقتصاديات العالم تمرُّ بأزمة لم تشهدها منذ الحرب الحرب العالمية الثانية حتى الآن، الأزمة الاقتصاديَّة التي شهدها العالم عام 2008 احتاجت 5 سنوات حتى عادت الى وضعها الطبيعي، فكم ستحتاج أزمة "ما بعد كورونا" حتى تستقر الأوضاع الاقتصاديَّة في العالم. الحديث يتم حالياً عن 20 ويقولون 30 مليون عاطل عن العمل في الولايات المتحدة لوحدها. الوضع في الدول الأوروبية ليس أحسن حالاً، وهذه الحالة تنعكسُ بشكلٍ مباشر على اقتصاديات بقية الدول.
في عهد "العولمة" احتاج العالم لمنظمات دوليَّة تفرض على الجميع قوانين وبروتوكولات ونظم وسياسات كمنظمة التجارة العالميَّة ومنظمة الصحة العالميَّة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وما شابه ذلك، لكنْ في مرحلة "ما بعد كورونا" قال الرئيس الأميركي إنه لا يعترف بمنظمة الصحة العالميَّة، ولديه موقف من منظمة التجارة العالمية سوف يطرحه لاحقاً. وهذا يعني أنَّ العالم يحتاج لقوانين ونظم جديدة لتنظيم الحياة، أو كما تريد الولايات المتحدة بوصفها الدولة الأقوى في المجتمع الدولي الى "إعادة صياغة" لهذه القوانين لضمان بقاء هيمنتها على المجتمع الدولي. لكنَّ مرحلة "ما بعد كورونا" سوف لن تسمح بقاء هذه الهيمنة كما كانت "ما قبل كورونا".
لدى الدول النامية المزيد من الفرص للتأقلم مع الحياة الجديدة، والتفكير باستخدام واستغلال إمكانياتها الوطنيَّة. الدول العربيَّة والإسلامية من هذه الدول التي تمتلك قدرة بشريَّة هائلة، وإمكانات ماليَّة كبيرة، وكفاءات لا حصر لها. إنها تحتاج الى "إعادة تنظيم" تنسجم مع المتغيرات الاقتصاديَّة والسياسيَّة حتى تكون في "الجو".
العولمة انتهت.
القطبيَّة الواحدة انتهت معها، والرابح من يستطيع التأقلم مع الواقع الجديد.