خيار العقل

الصفحة الاخيرة 2020/06/14
...

علي حسن الفواز
 

تقتضي الحكمة اعتماد العقل وبيان الرأي، وبعكسه فإنَّ الخيار سيكون بحثاً عن أوهام، أو عن تصورات قد تذهب بالإنسان مذاهبَ شتى، وخيار الحكمة يعني السياسة مثلما يعني الاجتماع، ويعني الاقتصاد مثلما يعني الصحة، ويعني التربية مثلما يعني الفن والأدب والفلسفة..
هذه "العنايات" يمكن أنْ تفتح أفقاً واسعاً لإثارة الأسئلة حول ما نعانيه من مشكلات كبيرة، ومن معطيات نحتاج الى وضعها في السياق الصحيح، والتي ترتبط بشكلٍ عميق مع الخيار الجامع لبناء الدولة الجديدة، والتعاطي مع أزماتها بمنظور العقل وليس بوهم التخيّل، إذ بات واقعنا العراقي رهين سلسة من العقد، والصراعات، التي تتطلب عقلنة واسعة، وحكمة عميقة في مواجهة ما يتراكم، وما يتضخم، وما ينبغي أنْ يترك من أثرٍ على حياة الناس وعلى مشروع بناء تلك الدولة.
إنّ غاية الحكمة هي النجاح، والسيطرة على الخطل، وإيجاد الحلول المناسبة للعلل والمكاره، وهذا ما يجعل توخي الحكمة رهاناً على وجود الفاعليات المهنية، والإمكانات المسؤولة، والتي تملك القدرة على التخطيط الجيد، والأداء الفاعل، والتمكين الحقيقي، فما نحتاجه اليوم في ظلّ المشكلات الكبرى سياسياً وصحياً واقتصادياً هو البحث عن الخيارات الصحيحة، والتأسيسات العميقة، والتي من شأنها أنْ تحمي المصالح العليا، وأنْ تُهيئ الأسس للمستقبل، لأنّ خيار بناء الدولة وحماية تلك المصالح هو خيار عقلاني، ولا مجال للأوهام فيه، وحتى مواجهة "الأعداء" من إرهابيين وتكفيريين وفاسدين ومجرمين وكارهين ليست بعيدة عن العقل والحكمة، إذ تعني حيازتهما، التمكين الحقيقي لحيازة القوة المعنويَّة، والقدرة الفاعلة على إفشال مشاريع الإرهاب، وعلى حماية المشروع الوطني من الأضرار والمخاطر..
لقد بات واضحاً، وبعد سبع عشرة سنة الحاجة الى قوة الحكمة، لكي نواجه أخطاء الماضي، ولكي ندرك أنَّ الدول الكبيرة والمشاريع الكبيرة تُبنى بالمعرفة والعلم، والمصالح الكبيرة تُحمى بالحكمة، وليس بالأوهام، وهذا ما يجب أنْ يدعونا دائماً الى جعل الحكمة خياراً غالباً، لا مجال للتخلي عنه، ولا للمخاطرة بتركه وتعطيله...