دخلتْ الحكومة العراقية مفاوضات جديدة مع الحكومة الاميركية تعد الثانية من نوعها منذ الاحتلال الاميركي للعراق عام 2003 حيث كانت حكومة الرئيس نوري المالكي قد دخلت ذات المفاوضات عام 2008 والتي انتهت باتفاقية « الاطار الستراتيجي » . اليوم دخل الجانبان في حوار جديد بناء على طلب قدمه الجانب الاميركي بعد صدور قرار من مجلس النواب طالب بإنهاء التواجد العسكري الاجنبي في العراق .
هذا الحوار مهم للعراق لاعتبارات متعددة منها انه يمر بمرحلة حساسة من حياته السياسية المعاصرة ، ومتعلق بوضعه الامني والسيادة الوطنية والتنافس الاقليمي .
واذا كان صحيحا ان مجلس النواب اصدر قرارا بانهاء التواجد الاجنبي ، الا ان الصحيح ايضا ان المكونات السياسية لا تمتلك نظرة جامعة حيال ذلك ، بل اكثر من ذلك وجود وجهات نظر مختلفة حتى داخل المكون الواحد، ولذلك من المفترض اجراء حوارات تمهيدية تحت سقف « الفضاء الوطني » من اجل الخروج بتصور مشترك يستند على الحد الادنى من التصورات لمساعدة المفاوض العراقي في حواره مع الجانب الاميركي. وهناك عديد الخيارات التي بامكانها تجميع زعماء المكونات في اطار وطني معين من اجل مساعدة المفاوض العراقي .
وعلى الرغم من البيان السياسي الاول الذي صدر عن الجانبين والذي اعطى انطباعا حول المواضيع المطروحة والتي تمت مناقشتها والتي كانت بمجملها ايجابية الى حد بعيد ، الا ان هناك جملة قضايا حساسة من المفترض ان تلقى الاهتمام من قبل المفاوض العراقي مستفيدا من التجربة السابقة للحوار التي تم عام 2008 والنتائج التي تمخضت عنه .
فقضية « ضمان » اي اتفاقية يتم التوصل اليها بآليات محددة وواضحة امر مهم لانه لايجوز بقاء الاتفاقية من دون ضمان تنفيذي من كلا الجانبين ، لان اتفاقية « الاطار الستراتيجي « بقيت من دون موافقة الكونغرس من الجانب الاميركي، ومجلس النواب من الجانب العراقي كما هو مفترض في المعاهدات والاتفاقيات الدولية .
ويقول مدير قسم الابحاث بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى باتريك كلاوس : إن « الاتفاقيات والمعاهدة مالم تحظ بشرعية الكونغرس وموافقة مجلس الشيوخ الاميركي فانها تخضع لتوجهات حزب الرئيس الحاكم ان كان جمهوريا او ديمقراطيا » وبالتالي فان اي اتفاق لايحظى بشرعية الكونغرس فانه سيكون ورقة انتخابية لصالح هذا الحزب او ذاك . وان هذا الامر لايخدم الجانب العراقي .
ان الحوار الجاري حاليا يجب ان يسهم في اعادة هيبة الدولة العراقية . الهيبة السياسية وهيبة الاستقلال السياسي والارادة الوطنية . لان الحوار والمفاوضات عمليتان متزامنتان مع عودة هذه الهيبة التي تحتاجها الدولة العراقية في مثل هذه الظروف . فكما ان الحكومة العراقية معنية باعادة هيبة القانون في الداخل فهي معنية باعادتها على الصعيد الاقليمي والدولي ، وان نتائج هذه المفاوضات تعد مؤشرا واضحا على قدرة العراق في استعادة ارادته السياسية واستقلال ارادته الوطنية . وان نجاح العراق في ايجاد علاقات متوازنة مع دول الاقليم والدول الاجنبية مهمة صعبة وغير سهلة على جميع المقاسات لكنها تعطي الدولة العراقية هيبة دولية وسياسية .
ان الولايات المتحدة الاميركية تسعى من خلال الحوار الى التوصل الى عدة اهداف لخصها مقال لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى في 14 ايار الماضي كتبه ثلاثة باحثين من بينهم الباحث العراقي منقذ داغر بالقول: إن «الحوار يسعى في نهاية المطاف الى ابقاء القوات الاميركية في العراق ، واخذ ضمانات من الحكومة العراقية تجاه سلامة القوات الاميركية ، والسفارة الاميركية في العراق ، والمدنيين الاميركيين ، والشركات الاميركية العاملة في العراق » . وربما قصد المقال بـ « ابقاء القوات الاميركية » تلك القوات المكلفة بتدريب القوات المسلحة العراقية بسبب وجود قرار من مجلس النواب العراقي باخراج جميع القوات الاجنبية من العراق . لكن في المقابل ، يجب الا يكون التواجد الاميركي منطلقا لشن اعمال عدائية تستهدف طرفا ثالثا، لان العراق لايستطيع تحمل مثل هذه الاعمال التي تنطلق من اراضيه خصوصا وانه يريد صياغة علاقات اقليمية تستند على حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الغير .
تبقى قضية ايران وهي « الحلقة الاصعب » في الحوار العراقي الاميركي الذي تدور بشأنها الدوائر ، والتي تتطلب من المفاوض العراقي ان يكون متفهما لها بشكل كامل بحيث يستطيع اقناع الجانب الاميركي باهمية تمتع العراق بعلاقات متوازنة مع جميع الاطراف الاقليمية . فالعراق لايريد ان يعيد حالة العداء مع دول الاقليم كما كانت قبل العام 2003 ، كما ان ايران – كما افهم – لا تريد ان تقف ضد الارادة الوطنية العراقية .
ان استناد الفريق المفاوض على ثوابت بمظلة وطنية كفيل بتحقيق انجاز يسجل لصالح هيبة الدولة العراقية الحديثة .