قانون قيصر ...معاقبة الشعوب

الرياضة 2020/06/22
...

محمد صالح صدقيان
 

دخل قانون قيصر الذي وقعه الرئيس الاميركي باراك اوباما مرحلة التنفيذ الاسبوع الماضي بعدما اخرجه الرئيس دونالد ترامب من ادراج المكتب البيضاوي ليدخل حيز التنفيذ، فارضا بذلك عقوبات جديدة ليس على سوريا فحسب وانما على من يتعامل مع سوريا سواء في اعادة الاعمار او في تصدير السلع والخدمات شأنه شأن بقية قرارات الحظر التي فرضتها وزارة الخزانة الاميركية على دول وشعوب متعددة . الاعم الاغلب فيها ان لم تكن جميعها لتحقيق اهداف سياسية . 
المشهد العربي انقسم بين مؤيد ومعارض لهذا القانون، خصوصا انه لم يستهدف سوريا فحسب، وانما استهدف كل من يتعاون معها، حكومات كانت ام شعوبا . شركات استثمارية او شركات عاملة وما شاكل ذلك . 
المصفقون له كُثر، لانه في نهاية المطاف سيُضعف الحكومة السورية ويجعل عملية اسقاطها مهمة سهلة، بينما قلّ المعترضون خصوصا في الدول العربية كما ان الجامعة العربية التي من المفترض ان يكون القرار مهما لها لم تحرك ساكنا على اعتبار ان سوريا مجمدة عضويتها ولذلك مرت عليه مرور الكرام . 
الحكومة الاميركية والمتعاطفون معها نفوا بشدة ان يكون القانون يستهدف الشعب السوري بقدر ما هو يستهدف الحكومة السورية والضغط عليها لتغيير سلوكها. مصدر اميركي قال ان تغيير السلوك يعني طرد القوات التابعة لحزب الله اللبناني وغلق مكاتب حركتي الجهاد وحماس الفلسطينيتين وايقاف التعامل مع ايران وانهاء عمل المستشارين الايرانيين في سوريا . هذا المصدر قال ان الحكومة الاميركية اوصلت هذه المطالب للرئيس بشار السوري كبديل عن تنفيذ قانون قيصر . السوريون يعرفون جيدا ان الولايات المتحدة لا تقف عند هذا الحد، وانما تريد ابتزازهم من اجل مواقف سياسية تتعلق باسرائيل والجهود الرامية للتطبيع مع اسرائيل .  وزارة الخارجية الاميركية تقول ان القانون لا يريد تغيير النظام السوري لانه عمل يتعارض والقوانين والمواثيق الدولية، كما انه لا يريد استهداف المواطنين السوريين، لكن متابعين للسلوك الاميركي يقولون ان التجارب السابقة لا تدل على حسن النوايا الاميركية . 
ان تاريخ العقوبات الاميركية سواء كانت بحق دول في الشرق الاوسط او في اوروبا او في اميركا اللاتينية كانت بمجملها تهدف الى اسقاط الانظمة السياسية. فبعض الحالات تحققت فيها ذلك وفي بعضها استمرت حالات الحظر وفي ثالثة انهارت بسبب ظروف معينة . الامر اللافت ان الدول العربية التي تمتلك علاقات مع الشعب العربي السوري لم تحرك ساكنا امام القانون. صحيح انها لم تؤيد القانون بشكل رسمي علني، لكنها ايضا لم تعارض حتى وان كان المستهدف المواطنين السوريين .
هناك تجربة مر بها العراق بعد غزو النظام السابق لدولة الكويت واحتلالها عام 1990. الامم المتحدة ومعها مجلس الامن الدولي فرضا عقوبات على العراق على الرغم من موافقة النظام على دفع جميع التعويضات لكن القرارات كانت سارية لاسباب سياسية وقفت وراءها الولايات المتحدة تنفيذا لاجندة معينة غير خافية على العراقيين وجميع الدول العربية. وما حدث بعد ذلك دفع الشعب العراقي ورجل الشارع العادي ضريبة باهظة جدا من المعاناة والجوع والفقر ونقص في الثمرات والانفس لمدة 13 عاما. وما زال العراقيون يختزنون في ذاكرتهم معاناة تلك السنين العجاف بالم وشدة وقسوة حيث ما زالت تداعيات تلك السنوات باقية في عديد المجالات الاجتماعية والفنية والتعليمية ناهيك عن ظروف الاحتلال التي تعرض لها العراق. وفي حقيقة الامر ان الشعب العراقي دفع ضريبة معاقبة النظام بدمه وحياته ومستقبله واضحت العقوبات عقوبة للشعب بدل النظام الذي استمر في العيش في القصور الرئاسية بلذاته واستبداده بعيدا عن معاناة الشعب وتضحياته وفقره وآلامه، حتى ادخل العراق في نفق الاحتلال الذي كان نهاية للعقوبات. والغريب في الامر ان هذه العقوبات جعلت بديلا لها في صيغة «النفط مقابل الغذاء» لمساعدة الشعب العراقي للتخلص من العقوبات لكن العراقيين يتذكرون ماذا كانت الحصة التموينية ؟ وكيف كانت توزع ؟ وماهي طبيعتها ؟ وهل انها كانت مناسبة للاستخدام البشري ام لا ؟ .
اليوم تتكرر المأساة في سوريا، الاميركيون يقولون انهم سيساعدون منظمات دولية ومنظمات مجتمع مدني لدعم حياة الشعب السوري لكن الحقيقة انهم لا يرسمون الا صورة اخرى من صور المأساة التي مرت في العراق، ونموذجا اخر الهدف منه معاقبة الشعب وترويضه للقبول بالخيارات الاخرى المرتبطة باستقلاله ووحدة اراضيه .
ما يؤسف له الا تتحرك الدول العربية لمساعدة الشعب السوري في مثل هذه الظروف الحساسة كموقفها السابق من الشعب العراقي . 
المأساة تتكرر. المواطنون يدفعون الضريبة. والكل متفرج لما هو قادم بحق شعب اخر ودولة اخرى !