أضاعوني .. وأيَّ فتى أضاعوا!

اقتصادية 2020/06/23
...

علي رياح
 
ملامح الطفل الصغير ياسر ما زالت تهيمن على المخيلة، كان والده، وهو صديقي صفاء قاسم، يتحدث بلغة واعدة فيها الكثير من الأمل عن الطفل المهاري الذي سيصبح في المستقبل نجما في منتخب العراق، وعن شقيقته لاعبة التنس البارعة برغم صغر سنها .. وكنت - للأمانة - لا أرى ما يحول بين الوالد وبين أن يحلم، ولم أكن أملك سوى الانتظار .. انتظار كلمة الزمن .. وكلمة الموهبة!.
مرّت سنوات طويلة بعد سفر العائلة إلى لندن، كنت خلالها اتتبع أخبار ياسر من خلال الأصدقاء المشتركين لي ولوالده، ثم جاءت الفرصة للاقتراب من لاعبنا الدولي في أستراليا عام 2015 خلال نهائيات كأس آسيا .. اقترب مني ياسر كثيرا بحكم صداقتي لوالده، وكنت في غاية الارتياح لاندفاعه الشديد لأن يحقق آماله وآمال أبيه فيه بعد صبر وانتظار .. ولكنني كنت اخشى عليه مما كنت أراه ثغرات تستوجب العلاج .. أولها بطء اندماج ياسر مع محيط المنتخب وأجوائه، وهذه نقطة كنت أرى أنها قابلة للحل بمرور الأيام والتواصل والعِشرة، واتجاه الجميع نحو هدف موحد هو خدمة المنتخب وتقديم كل جهد منسجم له .. وحتى شيء من المعاناة في اللغة كوسيلة للتعامل، لم أجده معضلة!.
وهكذا كان ياسر نجما رائعا من نجوم تلك المشاركة .. وبعد ستة أشهر، كنا في اليابان لخوض مباراة ودية في مدينة يوكوهاما .. ويومها كتبت بكل سعادة وفخر عن الموقف المميز لياسر قاسم حين وصل في اليوم الذي سبق المباراة، وحين دخل إلى الفندق حيث نقيم، لم يختر الراحة بعد السفر الطويل، وإنما جاء هو وحقيبة السفر إلى القاعة التي كان يحاضر فيها المدرب أكرم سلمان، وكانت مفاجأة مفرحة لنا حين سلـّم على الجميع وقال للمدرب: أنا تحت أمرك أستاذ اكرم.
تقلبات شتى شهدها الخط البياني لياسر بعد ذلك .. بين تباين وجهات احترافه وتناقض المواقف على هذا الصعيد، وبين كلام كثير جرى على صفحات التواصل الاجتماعي عن مياه غير طبيعية تجري من تحت علاقة نجومنا في المنتخب وبينهم ياسر قاسم .. كثر الكلام، وارتفعت نبرة الاتهامات .. وكان واضحا أن صديقي صفاء قاسم ونجله ياسر قد انشغلا كثيرا في هذا الأمر، وكان هذا يؤلمني .. فياسر موهبة كروية حقيقية يجب الاهتمام بها والحفاظ عليها بكل السبل المتاحة.
هكذا تشتت اهتمام الفتى ياسر، وضاعت خياراته بين دروب شتى، حتى جاءت مداخلته الأخيرة مع الزميل العزيز إياد الجوراني حول تجربته الاحترافية البتراء الناقصة مع نادي أربيل، بكل ما شابها من إشكالات، ليرتفع سقف يقيني بأننا نوشك أن نضيّع هذا الفتى الكروي تماما، وأن ياسر نفسه مطالب - إن كانت هناك فرصة – بأن يراجع كل المنحنى المؤلم لغيابه أو تغييبه عن ساحة الإبداع .. لعلـّه .. أقول : لعلـّه يحفظ لنا ما تبقى منه!.