حسن العاني
غالباً ما يجري الحديث على أنَّ قلم الصحفي الفلاني يمنح المطبوع (س) بصمته الخاصة، لانه يحتل مساحة واسعة من اهتمام القراء، وبغض النظر عن صحة هذا الرأي، برغم ما ينطوي عليه من مبالغة، ولكنني على المستوى الشخصي أعتقد ان من يمتلك صناعة البصمة هو رسام الكاريكاتير، لأنه فنان وناقد وساخر، زيادة عن كونه كاتباً يعبر عن افكاره عبر اللوحة، وأنا لا اعني بالتأكيد أي قلم صحفي وأي رسام كاريكاتير، بل تلك الأسماء الكبيرة في قدرتها على العطاء الناضج ، والإبداع الاستثنائي ..
خضير الحميري، واحد من اسماء قليلة في هذا الفن المدهش، استطاع ان يحجز له مقعداً في الصف الاول مع كبار النجوم وميزة هذا الرجل انه في شخصيته الفنية، جملة من المكونات التي يصعب اجتماعها في وقت واحد ( موهبة – خيال خصب – ثقافة عالية – انسانية من نوع اكس لارج ) مع عين سحرية قادرة على التقاط الكائنات المجهرية ، وتحويلها إلى مخلوقات تثير ما يكفي من الكوميديا السوداء التي تستدر الضحك المر، ولهذا كان موضع الريبة والحذر والرفض من النظام السابق، بقدر ما كان موضع المحبة والتقدير والمتابعة من الناس، ولا اظن ان المعادلة قد تغيرت بعد سقوط النظام!!
في مجلة "الف باء" تشرفت بالتعرف عليه ، وأنجزنا معا عشرات الأعمال الصحفية كنت يومها كثير العناية بكتابة (التحقيقات الاجتماعية)، وكان الحميري وحده من يتولى انجاز الرسوم الخاصة بتلك التحقيقات، ولم يكن الأمر هيناً بالنسبة لي، فقد عرضني الرجل إلى أذى شديد، وحولني عن غير قصد إلى كاتب هامشي عديم النكهة، وآية ذلك، إنني كلما انتهيت من كتابة تحقيق وبذلت فيه جهداً مضنياً يدفعني إلى الاعتقاد، أن الجماهير ستصفق لي عالياً، جاءت لوحاته بالعجائب التي تدهش المتلقي، وتتحدى أوهامي ، وتدفع الجمهور إلى الحديث عن رسومات خضير ومفارقاتها ودلالاتها وأنا انتظر أن يذكرني احدهم خيراً أو شراً، فلا أجد ذكراً، حتى تولدت عندي قناعة ان أحداً لايقرأ كتاباتي ، فكيف لا انزعج من الحميري، وكيف لا افكر في الانتقام منه والثأر لنفسي ، وهكذا تضافرت عناصر الغيرة و الحسد والانتقام وانا اكتب ذات مرة مادة صحفية مطولة بمناسبة عيد المجلة، وكان الرجل قد تزوج حديثاً، فقلت عنه بطريقة تبدو مازحة، ولكنه مزاح لئيم (ان الزميل خضير الحميري منشغل هذه الأيام بغسل أطباق الطعام ) في إشارة خبيثة إلى أن مقاليد (الحكم) في البيت أصبحت بيد الزوجة، وشعرت بفرحة غامرة فقد ضربت ضربتي، غير انه لم يتركني اهنأ بفرحتي الوحيدة، فحين هيأ رسوم الموضوع، اظهرني بصورة تجسم عيوبي الخلقية، وذراعي مكسورة ومربوطة إلى عنقي وأنا أهرول هارباً وهو يركض ورائي وبيده توثية، وتحت الرسم تعليق صغير (حسن العاني.. إني اغسل المواعين) وهكذا انتصر من جديد، وجعلني أضحوكة عيد المجلة، ولكن المشكلة ان في أعماقه إنساناً يعادل طيبة الكون، لعلها هي التي دفعتني إلى القول، وما زلت أقول: ليس منا من لا يحب خضير الحميري!!