أحمد الهاشم
نخرج الى الدنيا نبكي أطفالاً، ونخرج منها يبكون علينا.. أغنية «ابنادم» التي لحنها الفنان الكبير كوكب حمزة وكتب كلماتها الشاعر أبو سرحان.
في هذه الأغنية هناك ما يمكن أنْ نسميه السيناريو الغنائي. ما المقصود؟ هنا تتشارك الكلمات واللحن وصوت المغني في السيناريو. الأغنية، لجهة مضمون الكلمات ليست غزليَّة وإنما وجدانيَّة، ولعلي لا أبالغ إنْ قلت إنها أول أغنية وجوديَّة. فهي تشبه سيرة الوجدان منذ الولادة حتى الممات.
كيف رسم الملحن كوكب حمزة السيناريو اللحني؟ تبدأ الأغنية بنغم البيات، مع أنَّ مقدمة اللحن من الصبا.
البيات شفيف وقابل للتحولات النغميَّة بمختلف أشكالها. يحتاجُ اللحن الى صوت مطرب شجي رخيم فيه طبقة قرار جليلة مشبعة للتون الموسيقي. صوت هامس رقراق كخرير مياه. حينها كان صوت حسين نعمة في عز تمكنه واقتداره من طبقة الري القرار. طبقة دافئة كي يصدح الوجدان. وسأعود لمعنى الصدح.
في الكوبليه الثاني يتحول النغم الى رست على درجة الصول. ولكنه ليس الرست المعتاد صاحب السلطنة وسيد الأنغام العربيَّة في التجسيد الأدائي، إذ يصدح الصوت في الليالي المصريَّة والقدود الحلبيَّة. كلا.. رست طري ينساق مع تنامي السيناريو اللحني، أشبه بعتب على الحياة والوجود: «تسيورة عمري وياك يا ابنادم». ثم يرتخي هذا الصدوح ليتحول الى نغم الحجاز كأنه وداع حياة.
الخاتمة تكون الرجوع مثل العود الأبدي الى الإيقاع نفسه، والنغم نفسه البيات، ولكنَّ الإيقاع هنا يشتد كأنه إيقاع جنائزي نسمعه في العزاءات الحسينيَّة: «بجي الشموع الروح يا ابنادم.. بس دمع ما مش صوت.. لا هي سنة وسنتين يا بنادم لا هي حسبة موت.. حسبة عمر عطشان والماي حدره يفوت..».
الأغنية تبدأ بالإيقاع نفسه وتنتهي به. لماذا؟ لتوضيح دورة الحياة نخرج الى الدنيا من رحم أمهاتنا نبكي ونخرج منها يبكون علينا!!
أول أغنية وجوديَّة في تاريخ الغناء العراقي.
كنت أتمنى أنْ أفصّل أكثر عن هذه الأغنية، خصوصاً من باب الإيقاعات. لكنَّ الموضوع الصحفي لا يحتمل الإطالة بالأمور الفنيَّة. للأسف الأغاني تذكر اسم المطرب وتغفل اسم الملحن والشاعر.