حكاية وطن

الصفحة الاخيرة 2020/07/01
...

حسن العاني 
 
لا أحد على ما اعتقد يمكن ان يزايد على النضال الوطني، والمواقف البطولية التي سطرها الشعب الفيتنامي، هذا الشعب الذي ينتمي إلى بلدان العالم الثالث والفقر والجوع، فقد صمد مقاتلوه في مواجهة الترسانة الأميركية الجبارة، ومقارعة الدبابات والمدافع والطائرات والصواريخ والنابالم باسلحة بدائية بسيطة، رشاشات عتيقة ،وذخيرة شحيحة، وفؤوس وخناجر وعصي ومناجل، وتواصل ذلك الصمود الاسطوري سنوات طويلة من حرب شرسة، ومعارك غير متكافئة السلاح والعتاد والتدريب، ومع ذلك انتصرت ارادة الفقراء والجياع ، وانسحبت القوة العسكرية الاكبر في العالم برؤوس ذليلة واعلام منكسة!! 
كان على الحكومة الفيتنامية المشكلة حديثاً، وهي تزهو بفرحة الانتصار، ان تكرم مقاتليها الشجعان بعد انتهاء الحرب، وهنا بدأت الاشكالية ، فمن هو الذي يستحق التكريم أكثر من غيره؟ الجواب واضح أمامها، فالجميع من حقهم ان يحظوا بذلك التكريم، ورأت القيادة الفيتنامية، ان أفضل حل هو اختيار مقاتل واحد يكون عنواناً للاخرين وينوب عنهم، أي يكون رمزاً ،ولكن هذا الواحد يمثل اشكالية اعتبارية جديدة، وبعد مداولات طويلة ، وقع الخيار على امرأة عجوز في السبعين من عمرها، كانت تتولى ايصال البريد السري والتوجيهات والتعليمات بين مواقع الثوار في شتى مناطق وجودهم، وبين قيادة الثورة ، لانها تستطيع العبور من الحواجز والسيطرات ، ونقاط التفتيش الاميركية بشيء من السهولة ، كونها امرأة مسنة ، رسم التعب والجوع والتنقل مايكفي من التجاعيد على يديها ووجهها وحركتها! 
في يوم الاحتفال المقرر، حضر الوزراء وكبار اعضاء الحكومة، وزعماء الثورة، ونودي على السيدة العجوز لتسلم درع التكريم، وتقدمت بخطى متعبة ، ووقفت عند المنصة وفاجأت الجميع عندما القت كلمة مقتضبة قالت فيها ما معناه (ماذا فعلت انا مقارنة باولئك المقاتلين الذي امضوا زهرة شبابهم في المستنقعات المائية وهم ينصبون الكمائن للعدو ويذيقونه الخوف والموت ، وماذا قدمت انا مقارنة بآلاف الشهداء ممن استقبلوا رصاص الاميركان بصدورهم حتى أجبروهم على الانسحاب مخذولين، أين أنا من مئات النساء اللواتي كن في النهار ربات بيوت، وفي الليل مقاتلات بين الأحراش والادغال والغابات ، كل هؤلاء أحق مني، ولذلك اعتذر عن قبول التكريم، لان كل شهيد ومقاتل ومقاتلة أولى به)، السيدة العجوز لم تطلب ثمناً لنضالها من اجل حرية الوطن، ولم تفكر هي ولا أي من الثوار المقاتلين بشيء اسمه: تعويضات عن أيام الجوع والخوف والحرمان، ولم تخطر على بالهم مصطلحات غريبة على غرار الخدمة الرفحاوية أو الجهادية أو التعرض للاضطهاد أو السجن السياسي، لأنَّ الوطن لم يكن بضاعة للمتاجرة، بل هو الشرف والتضحية والانتماء..